تستعد موريتانيا هذا العام لإطلاق موسم سياحي استثنائي، حيث اتخذت الدولة كافة التدابير لإنجاحه، بعد توجيه رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني أعضاء الحكومة لقضاء عطلهم داخل البلاد، دعمًا للقطاع السياحي.
وقد عانت السياحة الموريتانية لسنوات طويلة بسبب الهاجس الأمني والتحذيرات الخارجية، خصوصًا الفرنسية، التي كبّلت هذا القطاع وحرمته من عائدات ضخمة. لكن مع ترسيخ الأمن وعودة الثقة، بدأ السياح يتوافدون من جديد، لتتعزز الآمال بانتعاش طال انتظاره.
مع بداية الموسم، تشهد مدن الداخل سباقًا على تنظيم المهرجانات بمختلف أشكالها، في لوحة تعكس تنوع المجتمع الموريتاني. هذه المهرجانات تمثل فرصة للترويج للثقافة المحلية وجذب السياح، كما تمنح الزائر نافذة للتعرف على طرق احتفاء الشعوب بتراثها، وتتيح تفاعلًا مباشرًا مع المجتمع المضيف.
ولم تعد السياحة تقتصر على المواقع التاريخية وحدها، بل توسعت لتشمل إحياء مسارات القوافل القديمة، مثل طريق الملح الذي اشتهرت به موريتانيا، والمسالك التي سلكها الحجاج قديمًا سيرًا على الأقدام.
موريتانيا.. كنوز جيولوجية عالمية
رغم هذه الجهود، ما يزال جانب مهم لم ينل حقه من الاهتمام: السياحة الثقافية والعلمية. فهذا النوع من السياحة يجذب الأكاديميين والباحثين من مختلف أنحاء العالم.
وتزخر موريتانيا بمواقع جيولوجية فريدة، أبرزها:
_عين الصحراء (قلب الريشات) قرب وادان: معلم جيولوجي قطره 35 كلم، جذب اهتمام وكالة ناسا ورواد الفضاء لعقود، ويُعد من أغرب المواقع الجيولوجية على وجه الأرض. _صخرة بنعميرة في تيرس زمور: ثاني أكبر صخرة متراصة في العالم بعد “أورولو” بأستراليا، وتُصنف ضمن عشرة مواقع تستقطب ملايين السياح سنويًا’
_حفرة تينومر في تيرس زمور: فوهة نيزكية أكدت وكالة الفضاء الأوروبية أنها من أفضل الفوهات المحفوظة على وجه الأرض،
هذه المواقع تحتفي بها مراكز علمية ووكالات فضاء دولية، بينما لم تحظ حتى الآن بما تستحقه من استثمار محلي.
إن تحويل هذه المواقع إلى محميات طبيعية ومراكز جذب سياحي، مع توفير البنية التحتية من طرق ومرافق وخدمات لوجستية، كفيل بجعل موريتانيا في صدارة الوجهات السياحية العالمية.
ويقترح الخبراء:
1. إعداد خريطة وطنية للمواقع الجيولوجية: من قلب الريشات في آدرار، إلى صخرة بنعميرة وحفرة تينومر في تيرس زمور.
2. إشراك الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (SNIM) في الدراسات والدعم اللوجستي، نظرًا لموقع هذه المعالم في نطاقها الترابي وتوفر قطارها الصحراوي المجهز.
3. إنشاء هيئة وطنية متعددة الاختصاصات تُعنى بتنمية المواقع الجيولوجية والأثرية، وربطها بالمهرجانات الكبرى مثل مهرجان المدن القديمة.
4. دعم المدونين والمترجمين والكتّاب للتعريف بهذه الكنوز عالميًا.
السياحة الثقافية والعلمية ليست ترفًا، بل استثمار استراتيجي مستدام يدر دخلًا متواصلًا، ويرفع اسم موريتانيا في المحافل العلمية والأكاديمية، ويحقق ما لم تحققه الجهود الدبلوماسية طيلة نصف قرن.
إنها فرصة تاريخية ينبغي اغتنامها الآن، لتتحول موريتانيا إلى قبلة للعلماء والسياح على حد سواء.