القرآن فوق الطاقة البشرية:
انه أغرب تحد في التاريخ، وأكثره إثارة للدهشة، فلم يجرأ أحد من الكتاب في التاريخ الإنساني ـ وهو بكامل عقله ووعيه ـ أن يقدم تحديا مماثلا، فإن مؤلفا ما لا يمكن أن يضع كتابا، يستحيل على الآخرين أن يكتبوا مثله، أو خيرا منه..فمن الممكن إصدار مثيل من أي عمل إنساني في أي مجال, ولكن حين يدعي أن هناك كلاما ليس في إمكان البشر الإتيان بمثله، ثم تخفق البشرية(28) على مدى التاريخ في مواجهة هذا التحدي، حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير إنساني، وأنها كلمات صدرت من المنبع الإلهي Divineorigin، وكل ما يخرج من المنبع الإلهي لا يمكن مواجهة تحدياته”(29)
ولما ثبت عجز الإنسان عن الإتيان بهذا القرآن، وأيقن الإنسان يقينا جازما انه لا يستطيع أن يأتي بمثله، فاتجه إلى فهم القرآن المنزل من عند خالق الإنسان (30).
ولا يمكن أن يحفظ القرآن ويفهم وبالتالي يفهم الإسلام وينتشر ويسود بغير لغته الأصلية التي نزل بهاوالتي وصفت في آيات منه:
﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾(31)، ﴿لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين﴾(32)، ﴿إنا جعلناه قرآنا عربيا ﴾(33).
إذن فالقرآن كله عربي ولو اشتمل علىغير اللغة العربية لكان مخالفا لهذه الآيات، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدأرسل بغير لسان قومه، والقرآن يطلق على مجموعه وعلى جزء منه، فلو كان جزء منه غيرعربي لما كان من القرآن، وأيضا فإن الله تعالى يقول:
﴿ولوجعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته﴾(34) فنفي أن يكون أعجميا(35).
وأمااشتمال القرآن على ألفاظ مأخوذة من اللغات الأخرى كاشتماله على لفظ”المشكاة” وهي لفظة هندية وقيل حبشية وهي الكوة، وعلى لفظ”القسطاس” وهي رومية ومعناها الميزان، وعلى لفظ الإستبرق” ومعناهاالديباج الغليظ، وعلى لفظ (سجيل) ومعناها الحجر من الطين وهما لفظتان فارسيتان فإنه لا يكون بذالك مشتملا على كلمات غير عربية لأن هذه الألفاظ قد عربت فصارتمعربة، فهو مشتمل على ألفاظ معربة لا على ألفاظ غير عربية. واللفظ المعرب عربي.كاللفظ الذي وضعته العرب سواء بسواء. والشعر الجاهلي قد اشتمل على ألفاظ من قبيلأن ينزل القرآن مثل كلمة (السجنجل) بمعنى المرآة في شعر امرئ ألقيس وغيرها من الكلمات عند كثير من شعراء الجاهلية. والعرب كانوا يعتبرون اللفظة المعربة عربية كاللفظة التي وضعوها سواء بسواء.
فالتعريب هو صوغ لكلمة الأعجمية صياغةجديدة بالوزن والحروف حتى تصبح لفظة عربية في وزنها وحروفها…
فهذا القرآن إذن أنزل بلسان عربي مبين ولا مجال إلى فهمه إلا من حيث……يتواصل……