هي رؤية تأملية وفكرية تسعى إلى الربط بين الوجود الإنساني والقرآن الكريم، وإبراز دوره في تحقيق الفهم العميق للحياة والكون والإنسان. من خلال استقراء الآيات وتحليل دلالاتها، تبرز السلسلة علاقة الإنسان بالكون، وتوضح كيف يقدم القرآن تفسيرًا متكاملًا للحياة، يساعد في توجيه الفكر الإنساني نحو الحقيقة والمعرفة…
تبدأ السلسلة بالتأمل في الكون الشاسع، الذي يبعث الرهبة والذهول، ويدفع الإنسان بطبيعته المفطورة على التساؤل إلى البحث عن الحقيقة: من أين جاء؟ وإلى أين المصير؟ فالعقل البشري لا يكتفي بظاهر الأشياء بل ينفذ إلى جوهرها، ويتطلب إجابات تتجاوز حواسه ومشاعره، ليصل إلى يقين يطمئن به عقله وتسكن به روحه.
التطلع إلى الخالق والسعي إلى الهداية
الإنسان في سعيه هذا دائم التطلع إلى خالقه، متسائلًا عن النظام الدقيق الذي يحكم هذا الكون، وعن المواعيد التي لا تتخلف أبدًا. ومن خلال التأمل العميق، يلاحظ أن كل هذه الظواهر تلتقي في نظام واحد، تمامًا كما تتحد ألوان الطيف لتشكل ضوءًا أبيض، مما يقوده إلى الإيمان بوجود الخالق وإبداعه في صنع هذا الكون.
ولكن العقل، رغم وصوله إلى الإقرار بوجود الله عبر آثار خلقه، يبقى عاجزًا عن إدراك كل الحقائق بمفرده، مما يستوجب وجود اتصال مباشر بينه وبين خالقه. وهنا تأتي الرسالات السماوية التي حملها الأنبياء، فكانت المعجزة الخاتمة القرآن الكريم، الذي جاء ليجدد علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبمجتمعه.
القرآن ومعجزته الخالدة
القرآن الكريم هو المعجزة التي تحدت العرب في بلاغتها ودقتها، وهو ليس من صنعهم ولا من صنع غيرهم، ولا حتى من تأليف النبي محمد ﷺ، إذ لا يمكن لإنسان أن يسبق عصره أو يتحدث عن أشياء لم يسبق لها أن دخلت إلى ذهنه، فضلًا عن أن يتحدث بأسلوبين مختلفين تمامًا، كما يفعل القرآن مقارنة بالأحاديث النبوية. وهذا التحدي لا يزال قائمًا إلى يوم الدين، شاهدًا على أصالته الإلهية.
القرآن بين الهجر والتدبر
ومع ذلك، فإن واقع المسلمين اليوم يشير إلى أنهم قد ابتعدوا عن التدبر في القرآن، ووقع كثير منهم في هجره، كما قال تعالى:
﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30].
فأصبح البعض يتعامل معه ككتاب للبركة، دون أن يغوص في معانيه أو يستلهم منه منهج الحياة، رغم أنه جاء ليكون دستورًا يرشد الإنسان في هذه الأرض، ويحقق التوازن بين حاجاته المادية والروحية.
رؤية السلسلة: مع القرآن لفهم الحياة
من هنا تأتي هذه السلسلة، التي ليست محاولة للتفسير بقدر ما هي محاولة لتقريب المفاهيم القرآنية وجعلها في متناول الجميع، بحيث يجد فيها الطالب، سواء في المحاظر أو في النظام التعليمي الحديث، وكذلك القارئ العادي، ما يعينه على فهم الحياة من منظور القرآن.
إن هدف هذه السلسلة هو إعادة القرآن إلى مركزية الفكر والحياة، ليكون مصدر الهداية في كل زمان ومكان، ولتحقيق التوازن بين العقل والإيمان، بين المعرفة والروح، وبين العلم والفطرة، في انسجام تام مع سنن الله في الكون.
إن الاستماع إلى كلام الله والتأمل في معانيه هو السبيل إلى تحقيق الهداية والتوازن في حياة الإنسان. والتفكر في الكون وآياته يعزز الإيمان ويفتح أبواب الحكمة والفهم.
ونسأل الله أن ييسر لنا هذا العمل، وأن يكون نافعًا لكل من يسعى إلى الفهم العميق لحياته من خلال نور القرآن. لهذا رجعت الى المحظرة في “تندوجة” 75كلم من أبوتلميت لكي آخذ القرآن الكريم بتدبر وارتبط به كمنهج حياة وليس للبركة والتلاوة.
في دمشق سألني زملاء عن المحظرة الموريتانية وكيف السبيل الى الوصول اليها لكونها مصدر علمي موثوق!!
هنا، رجعت لنفسي قائلا لماذا لانستفيد نحن من هذه الجامعات الأهلية قبل أن نجد أخبارها من الآخر؟!
الهدف الأساسي من السلسلة هو إعادة إحياء علاقة الناس بالقرآن، بطريقة تتناسب مع العصر، وتعتمد على الحوار العقلي والتأملي من خلال ربط النصوص القرآنية بالحقائق الكونية، والفطرة الإنسانية، والعقل والمنطق.
كما أنها تسعى إلى توجيه الإنسان نحو التفكر والتدبر، مستندة إلى الحجج العقلية والعلمية والفلسفية التي تتوافق مع مفهوم الفطرة.