نحو استراتيجية جديدة للنظام التعليمي في موريتانيا/ محمد ولد سيديا ولد خباز

يعكف قطاع التهذيب الوطني والتعليم العالي والبحث العلمي هذه السنة على إعداد تشخيص للمشاكل والصعوبات التي تواجه المنظومة التربوية الموريتانية وتقديم حلول مناسبة لها في إطار خطة إستراتيجية تنطلق من إرادة حكومية حريصة على أن تسلك البلاد مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستديمة. وإسهاما منا في رصد مشاكل هذا القطاع واقتراح آراء قد تساهم في إيجاد بعض الحلول لتلك المشاكل نستعرض في الورقة التالية بعض الأفكار حول الإصلاحات التي تم القيام بها في هذا القطاع ومعضلة تدريس اللغات وضرورة وضع خطة على أسس جديدة تنطلق من البرنامج الوطني لتطوير قطاع التهذيب الوطني والصعوبات المستقبلية التي يواجهها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي.

I. حول الإصلاحات ومعضلة لغات التدريس
لقد عرفت بلادنا منذ استقلالها الداخلي 1958 العديد من الإصلاحات التي كانت تستهدف في مجملها التأكيد على هوية البلد وتعزيز قدرات مجتمعنا على التفاعل مع معطيات ومتطلبات التقدم التي تنشدها كافة الدول الطامحة إلى بناء مستقبل زاهر تسوده الحرية والانعتاق والعدل والمساواة والرقي.
وكان أول إصلاح هو إصلاح 1959 الذي أدخل 4 ساعات ونصف في الأسبوع لتدريس اللغة العربية في المدارس الابتدائية وساعتين في الإعدادية اختيارية بينها وبين اللغة الإنجليزية وفي سنة 1967 شرع في تنفيذ إصلاح جديد كان قد تقرر بموجب قانون صادر في 1965 وتعطل نتيجة الاضطرابات التي عرفتها بعض الثانويات سنة 1966. وقد كرس هذا الإصلاح السنة الأولى من الابتدائية لتدريس اللغة العربية وزاد من التوقيت المخصص لها في السنوات الثانية والثالثة والرابعة والخامسة إلا أن امتحانات دخول الإعدادية كانت تتم باللغة الفرنسية.
وفي سنة 1973 أعد إصلاح جديد كان الهدف منه خلق ازدواجية في التعليم بحيث تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد واللغة الفرنسية هي لغة العمل وتقرر إنشاء شعبة معربة لدخول الإعدادية وكذلك إنشاء شهادة الإعدادية العربية الى جانب شهادة الإعدادية الفرنسية. أما إصلاح 1979 فقد كان من أهدافه جعل اللغة العربية لغة موحدة بعد فترة انتقالية لا تتجاوز ستة سنوات إلا أنه ومن المفارقات أوجد من الناحية العملية مسارين تعليميين أحدهما باللغة الفرنسية والآخر باللغة العربية.
وفي 26 ابريل 1999 صدر القانون رقم 99/012 المتضمن إصلاح التعليم الموريتاني وجاء هذا الإصلاح في أعقاب دراسة تشخيصية لما كانت عليه المنظومة التربوية آنذاك حيث تم إبراز أهم النواقص والاختلالات التي عانى منها قطاع التهذيب الوطني طيلة الخمسين سنة التي انقضت منذ الاستقلال. لقد توصلت هذه الدراسة إلى “حصيلة قطاعية للعشرية المنصرمة أظهرت إحراز بعض التقدم خصوصا فيما يتعلق بالتطور الكمي بالنسبة للتعليم الأساسي وبدرجة أقل بالنسبة للثانوي. ذلك أن ولوج السلك الأول من التعليم الثانوي ظل دون التوقعات حيث لم تزد نسبة الأطفال الذين أكملوا السلك الأساسي على 55%. أما السلك الثاني من التعليم الثانوي فقد كان يعاني من كثرة التلاميذ بشكل مفرط نظرا لغياب سياسة للتحكم في الأعداد. كما كانت جودة أداء المدرسين (الدروس، المقررات) متفاوتة وتتسم بالتباين بالنسبة لسلكي التعليم الثانوي، أما إدارة وتوجيه النظام فقد ظهر أنها تعاني كذلك من بعض الاختلالات.
“ومن ناحية أخرى، لوحظ عدم استجابة التعليم العالي، وكذلك التعليم التقني والمهني لمتطلبات وحاجيات تنمية الاقتصاد الوطني”.
توخيا لتوطيد المكتسبات والانفتاح على الحداثة، تمحور الإصلاح المذكور أساسا على:
1. العدول عن نظام الشعبتين إلى إقامة نظام تعليمي أحادي الشعبة يعتمد العربية والفرنسية لغتي تدريس لكل الأطفال الموريتانيين،
2. تقوية التدريس في السلك الأول من الثانوي بزيادة مدة الدراسة فيه بنسبة، وإدخال العلوم الفيزيائية والمعلوماتية في برامجه،
3. تقوية تدريس اللغات الأجنبية (خاصة الفرنسية والانجليزية).
ولأجل تنفيذ مقتضيات هذا الإصلاح الرامي إلى سد النواقص وتقويم وتصحيح الاختلالات الملاحظة، قررت الحكومة الموريتانية إنشاء برنامج عشري لتطوير قطاع التعليم، وقد صدر هذا القرار في أفق استفادة بلادنا من مبادرة خفض مديونية البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (PPTE) وهو ما من شأنه أن يوفر لنظامنا التعليمي موارد إضافية لتمكينه من إحراز التقدم المرجو على المستويين الكيفي والكمي.
أثنى عشر سنة بعد دخول الإصلاح الأخير حيز التطبيق، يكون الوقت قد حان لرصد ما كان له من نتائج بما فيها ما تحقق في إطاره من نجاح وكذلك ما تم تسجيله من إخفاق. على أن نتائج هذا الإصلاح التي تمثل حصيلة عشرية كاملة من حياة النظام التعليمي هي في نفس الوقت الآن تقريبا حصيلة البرنامج الوطني لتطوير قطاع التهذيب المنشأ أصلا من أجل تنفيذه.
وهكذا فالحصيلة الجديدة المفروض تقديمها عند كل مراجعة تؤسس لإصلاح جديد لا بد أن تكون نتيجة تقييم معمق يمر ضرورة بالفحص المتأني لمستويات التقدم الكيفي والكمي المحققة في إطار البرنامج الوطني لتطوير قطاع التهذيب بالنظر إلى ما حدد له من أهداف. وفي ضوء مؤشرات الإنجاز التي يقاس على أساسها مدى بلوغ هذه الأهداف.
انطلاقا إذن من حصيلة برنامج تنفيذ إصلاح إبريل 1999، وانطلاقا كذلك من الحاجات الوثيقة الصلة بنمو البلاد وما عرفته من تطورات على المستوى المؤسسي، يصبح من المشروع أن تقوم اللجنة المكلفة بالإشراف على تنظيم المنتديات العامة للتعليم التي تم تنصيبها في شهر اكتوير 2011 بإعادة النظر من جديد في أهداف النظام التعليمي على المديين القريب والمتوسط وعند الاقتضاء العمل على تحديد أهداف جديدة. ومع ما يتطلبه ذلك من خبرة وأهلية وحصافة ووعي بمقتضيات العصر ومتطلبات التنمية، فإن مراجعة أهداف المنظومة التربوية وتأسيس تحديد هذه الأهداف من جديد على الحاجيات الفعلية والموارد المتوفرة أمر يجب أن يسبق زمنيا ومنطقيا أي مسعى يرمي الى وضع خطة استراتيجية مناسبة لبلوغ الأهداف.
II. البرنامج الوطني لتطوير قطاع التهذيب الوطني وضرورة وضع خطة تقوم على مرتكزات جديدة
في إطار الإصلاح الأخير تم وضع أول استراتيجية متكاملة لقطاع التهذيب الوطني تمثلت في البرنامج الوطني لتطوير قطاع التهذيب (2001-2010)، ومن أهم محاور هذه الاستراتيجية:
1. دعم إدارة وتسيير النظام بتطوير إمكانيات التوقع وإعادة هيكلة الإدارة المركزية والتقويم المستمر وبرمجة الاكتتاب،
2. تحسين جودة عرض التدريس من خلال وضع خارطة مدرسية، وكذلك إعادة تنظيم جامعة نواكشوط، وتنظيم وتطوير التكوين التقني والمهني،
3. تقوية جودة التعليم من خلال إعادة تحديث البرامج والأدوات البيداغوجية وتطوير التمهين وإعادة تنظيم التكوينات الأساسية والمستمرة، وكذلك تحسين التأطير وتحسين كفاءة الموارد البشرية،
4. تشجيع تمدرس البنات باتخاذ إجراءات خاصة للحد من أثر العوائق التي تحول دون مواصلتهن للدراسة،
5. دعم دور القطاع الخاص للمساهمة بفعالية في النهوض بمهام التربية والتكوين على كافة المستويات: الأساسي، الثانوي، العالي، التقني والمهني. إضافة إلى هذه الأهداف العامة، تتضمن هذه الإستراتيجية أهدافا محددة خاصة بكل سلك من أسلاك التعليم كان عليه العمل على بلوغها خلال العشرية التي بدأت مع دخول الإصلاح الحالي حيز التطبيق وانتهت أواخر شهر إبريل 2010.
بعد أثنى عشر سنة من العمل بهذا الإصلاحّ، تم تعيين لجنة وطنية مهمتها تنظيم منتديات عامة حول النواقص الملاحظة والمشاكل المطروحة على المستوى التربوي، لغرض الخروج بتصورات عن تقييم ما تم إنجازه وتقديم مقترحات تهيئ لصياغة إستراتيجية مستقبلية تأخذ في الاعتبار حاضر البلاد وما تعيشه من متغيرات في سياق العولمة، وما تسعى إليه من تغطية احتياجات جد مؤثرة في عوامل وجودها ونهضتها.
إن التعليم يشكل بلا ريب إحدى الوسائل الأساسية لتعزيز قدرات المجتمع على التفاعل إيجابيا مع معطيات ومتطلبات العصر، سواء منها تلك التي يستجيب لها راضيا، وتلك التي يواجهها مكرها. وهذا يعني أهمية أن نعي ضرورة الاستثمار في المصادر البشرية باعتبارها رأس المال الأول في مجال التنمية الشاملة، ويعني أكثر من ذلك وترتيبا عليه أن قضية التعليم قضية أمن وطني وذلك لارتباطه الوثيق بتشكيل وترسيخ الهوية وتأكيد المواطنة ودفع عجلة التنمية.
وهو ما لا يتأتى إلا عن طريق منظومة تربوية تجتهد في استكمال شروط المردودية والفاعلية والنجاعة.
ذلك أنه رغم ارتفاع نسبة التمدرس نسبيا 470753 تلميذا في التعليم الأساسي (2011)يمثل البنات 50,7 منهم و 59561 في التعليم الأساسي الخصوصي و 90570 في التعليم الثانوي من بينهم 44,4% من البنات بينما يقترب طلاب التعليم العالي من حوالي 20 ألف ورغم التغطية المدرسية لمعظم مناطق البلاد، وتكوين العديد من الأطر الوطنية في مختلف المجالات، فإن نظامنا التعليمي مازال يواجه صعوبات كثيرة ونواقص لعل من أهمها مشاكل نقص: المردودية (ارتفاع نسبة الفشل والتسرب المدرسي)، والفاعلية (عدم تناسب حجم الكلفة مع النتائج)، والنجاعة (محدودية جودة مكتسبات التلاميذ).
إن المنتديات العامة المزمع تنظيمها هذه السنة 2012، لا بد أن تنطلق من تشخيص التحديات التي واجهها وما زال يواجهها قطاع التهذيب الوطني وهي المتمثلة في جملة من النواقص والاختلالات المزمنة والمشاكل التي تستدعي اقتراح ما يناسبها من سبل العلاج والحلول ضمن خطة إستراتيجية جديدة تقوم على نظرة شمولية لعل من أهم مرتكزاتها:
1. إن التحدي الأهم يكمن في تردي نوعية التعليم المتاح (بصنفيه العمومي والخصوصي)،
2. على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي تحققت على مستوى التوسع الكمي، فإن ما تعرفه مختلف الأسلاك (الأساسي والثانوي وحتى الجامعي) من تسرب المنتسبين يقلل من إيجابية الانتشار الفعلي للتمدرس ويبقيه في حدود متواضعة،
3. النقص الحاد في كفاءة وقدرة المعلمين والأساتذة على تحفيز التلاميذ والتفاعل معهم وتشجيع روح الابتكار والتفكير النقدي لديهم،
4. تنامي ظاهرة تدني القيمة الاجتماعية للأستاذ والمعلم والمتعلم،
5. عدم وضوح أهداف الإستراتيجية السابقة بالقدر الكافي مما نجم عنه تذبذب كبير لا بد أن يكون أثر سلبا على محتوى البرامج وتقييم وتحسين خبرة المدرسين ووضع تدريس اللغات الأجنبية،
6. ظاهرة هجرة الأساتذة والمعلمين إلى قطاعات أخرى عن طريق الإعارة، كما يلاحظ حرص بعضهم أحيانا على مغادرة القطاع نهائيا،
7. عدم ملاءمة تكوين الخريجين ومستوياتهم الفعلية مع متطلبات سوق العمل،
8. عدم إقرار مبدأ التقويم الذاتي سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المؤسسة،
9. ضعف وسائل التمويل وما يؤدي إليه من لجوء إلى الاستدانة من مؤسسات دولية لها سياستها الخاصة وشروط يصعب توفرها أحيانا، بل قد يكون بعض ذلك سببا في الأزمات السياسية والاجتماعية وفي تعطيل سير الإصلاح في مراحله الحاسمة “المشاكل التي تبحث عن تدخل البنك الدولي في قطاع التعليم العالي في بلدنا”،
10. ضرورة إنجاز دراسات الجدوى قبل مباشرة تنفيذ الخطط الإصلاحية،
11. الابتعاد عن تقليد نماذج غربية للإصلاح قد لا تلاءم واقعنا ولا تتفق مع خصوصياتنا،
12. تدني كفاءة ومهارات بعض من تسند إليهم مهام الإشراف على تطبيق الإصلاح وتنسيق الأنشطة المطلوبة إنجازها في إطاره،
13. غياب الانسجام وروح التعاون الضروري بين الشركاء المعنيين بتنفيذ الإصلاح وخاصة بين الجهات الوصية والمشرفة والمستفيدة،
14. إفساح المجال أمام كافة المعنيين والمتدخلين في عملية الإصلاح حتى يشاركوا، كل من موقعه، في بلورة الخطة الاستراتيجية المراد تنفيذها، ومن شأن ذلك أن يجعل هذه الحطة عملية قابلة للتنفيذ على ارض الواقع، مرنة قابلة للتغيير والتعديل كلما دعت الحاجة، وقابلة للتقييم والقياس،
15. العمل مستقبلا على تحقيق ما يسمى “الوعي الناقد” لدى المستفيدين من النظام التربوي وخاصة منظمات آباء التلاميذ وغيرها من منظمات المجتمع المدني المعنية بهذا المجال. وبمتطلبات تحقيه ومنها مساهمة المجتمع في ذلك وضرورة متابعته اعتبارا لكون المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية هي مصدر المؤشرات التربوية وأصلها.
على أن من الضروري كذلك الابتعاد عن الاعتقاد الساذج بأنه لا يوجد أحسن مما هم قائم (أو كما يقال ليس في الإمكان أبدع مما كان)، ولا يقل عن ذلك سلبية “الوعي الاتكالي” الذي يرى أن السلطات العمومية هي وحدها المسؤولة عن القيام بالإصلاح دون سواها.
III. التعليم العالي وإكراهات المستقبل
ونظرا إلى كون التعليم العالي والبحث العلمي من أكثر مكونات القطاع حساسية وحيوية واتصالا مباشرا بالتنمية يواجه جملة من الإكراهات جعلته بشكل مزمن، عرضة لأزمات خطيرة بسبب ضغط تزايد أعداد المترشحين للباكلوريا. وعليه فإن من أكثر الإجراءات استعجالا وإلحاحا في سياق الإصلاح المرتقب تشخيص وضعية هذه المكونة ورسم السياسات التوجيهية المتعلقة مثلا بالموضوعات التالية:
الإطار المؤسسي،
الحاكمة (الإدارة وفق مبادئ التسيير الرشيد)،
التعليم والتكوين،
البحث العلمي،
ملاءمة عروض التكوين لحاجات سوق التشغيل،
الخدمات الاجتماعية الجامعية،
إسهام القطاع الخاص،
الخ.
إن قطاع التعليم يواجه صعوبات جمة لعل من أهمها الضغوط الناتجة عن الأعداد الهائلة لمترشحي الباكلوريا الذين يناهزون 27000 سنة 2011 في غياب إستراتيجية لاستيعابهم (إذ لا تتجاوز طاقة جامعة انواكشوط الاستيعابية مثلا 3600 مقعدا بالرغم أن هذه المؤسسة لا تتوفر أصلا على مباني ملائمة). من الصعوبات كذلك ضعف ملاءمة عروض التكوين والبحث لاحتياجات السوق الوطنية، ولا تقل عنها الصعوبة المتمثلة في محدودية الموارد المالية المخصصة للتعليم العالي الذي لا يتجاوز حوالي 21% من ميزانية قطاع التهذيب.
إن الخيارات المتاحة في مجال السياسات التعليمية محدودة بالضرورة بحكم ضعف الموارد المالية وعدم إمكان استيعاب سوق العمل لمعظم الخريجين نظرا لعدم ملاءمة تكويناتهم ومؤهلاتهم لحاجات هذه السوق وما دامت هذه أهم الصعوبات ، فلا علاج لها إلا بالعمل على:
جعل عروض التكوين في مؤسسات التعليم التقني والمهني والعالي منسجمة مع متطلبات سوق العمل في البلد،
التحكم في أعداد الطلاب وتوجيههم الى الشعب الأكثر استجابة لحاجات سوق التشغيل،
تنويع مصادر التمويل بتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال التكوين،
تطوير عروض الخدمات المعوضة (الدراسات، الاستشارات الخبرة، البحث التطبيقي، …).

ولتكوين فكرة عن التطورات الممكنة في أفق العشرية القادمة 2012-2022 انطلاقا من واقع قطاع التعليم الراهن، واستنادا إلى ما توصلت إليه بعض الدراسات التي تم إنجازها بتكليف من وزارة التهذيب الوطني منذ سنتين. يمكن على سبيل التوقع تصور بعض المسارات (سيناريوهات التطور) المحتملة لنمو قطاع التعليم تأخذ في الاعتبار ما تم إنجازه حتى الآن من إصلاحات وتستند عل بيانات الإطار المالي للإنفاق على المدى المتوسط للسنوات 2008-2012 وذلك لغرض قياس نمو أعداد الطلاب والمدرسين وإداريي وتقنيي القطاع كأساس لتقدير مستوى الاستثمارات التي على الدولة تعبئتها وذلك على النحو التالي:
السيناريو الأول: يفترض سلوك مسار تطور “طبيعي” يقوم على متابعة الإصلاحات الجارية في مجالات الاكتتاب والتمهين والبحث العلمي مع بقاء نسبة الناجحين في الباكلوريا في حدود 10% سنويا يتم قبولهم جميعا في التعليم العالي، وبقاء نسبة طلاب الشعب المهنية دون 25%، وزيادة عدد الشعب المهنية في مختلف مؤسسات التعليم العالي العمومي، والإبقاء على حجم المنح والمساعدات الاجتماعية للطلاب على أساس المعايير الحالية، والاحتفاظ بالأعداد الحالية للطلاب الممنوحين بالخارج (حوالي 3000 طالب).
يترتب على هذا الخيار في أفق سنة 2018 ما يلي:
أن يصل عدد الطلاب 39000 طالب،
أن تخصص الدولة للتعليم العالي وحده نسبة 40% من ميزانية تسيير قطاع التهذيب،
في حين لا تتجاوز مخصصاته لسنة 2011 نسبة 21%،
أن تصل الاستثمارات في غضون هذه الفترة مبلغ 80 مليار من الأوقية،
أن يصل عدد خريجي التعليم العالي حوالي 67000،
أن يتضاعف عدد المدرسين ثلاث مرات، كما سيتضاعف عدد العمال الإداريين والتقنيين،
بقاء مساهمة المستفيدين من خدمات القطاع ضعيفة (حوالي 6,4 % سنة 2019).
السيناريو الثاني: يقوم على انتهاج سياسة التحكم في الأعداد خلال السلك الثانوي وهو أمر صعب ولكن سينعكس على إبقاء زيادة الناجحين في الباكلوريا في حدود نسبة 8% سنويا على أن يستمر التحكم في أعداد الطلاب على مستوى الليسانس والماستر (لتكون نسبة النجاح حوالي 20%)، وهنا أيضا يفترض أن يتم قبول جميع الناجحين في الباكلوريا في مؤسسات التعليم العالي، مع مواصلة سياسة التمهين. ويترتب على هذا الخيار:
أن يكون عدد الطلاب في نهاية العشرية (2019-2020) حوالي 28000 طالب منهم 24000 في جامعة انواكشوط،
أن تصل نسبة طلاب الشعب المهنية إلى 21% من الناجحين سنة 2019،
الارتفاع النسبي لمخصصات تسيير التعليم العالي وكذلك مخصصات الخدمات الاجتماعية التي يتوقع أن تناهز، وفق هذا التصور، على التوالي 31,6 % و 37,6 % من إجمالي ميزانية تسيير قطاع التهذيب،
أن تصل الاستثمارات في غضون هذه الفترة مبلغ 40 مليار من الأوقية،
أن يصل عدد الخريجين حوالي 65000، يمكن أن يندمج منهم 28% في سوق العمل،
أن يزيد عدد المدرسين على الضعفين وعدد العمال الإداريين والتقنيين على الضعف،
بقاء مساهمة المستفيدين من خدمات القطاع ضعيفة (حوالي 8,1 % سنة 2019).
هذه، بشكل سريع، بعض ملامح التطورات المحتملة انطلاقا من المعطيات الراهنة، يمكن الاستئناس بها في إطار تشخيص صعوبات ومشاكل المنظومة التربوية الموريتانية بوصفه الأساس الضروري لإرساء الخطة الاستراتيجية الكفيلة ببلوغ أهدافها الوطنية والتنموية المحققة لمزايا المردودية والفاعلية والنجاعة.
على أن تشكل هذه الخطة برنامج عمل لإصلاح مستنير يحدد بوضوح:
الغايات والأهداف المتوخاة،
الأنشطة التي يقتضي الإصلاح إنجازها،
المؤشرات اللازمة لقياس مستوى الأداء،
الموارد اللازم تعبئتها،
الجدولة الزمنية لإنجاز الأنشطة،
الهيئات المسؤولة عن تنفيذ خطة العمل.

شاهد أيضاً

د. محمد ولد أحظانا يؤرخ للموسيقى من خلال مصطلحها؛/المرابط ولد محمد لخديم

تُعدّ محاضرة الدكتور محمد ولد أحظانا رئيس نادي الفائزين بجائزة شنقيط حول الموسيقى الحسانية، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *