عند قدومي الأول لمحظرة تندوحه وكان ذالك في زمن الصيف من السنة الماضية لاحظت شجرة خضراء تتوسط المحظرة خلافا للأشجار الأخرى وبعد مدة لاحظت أن هذه الشجرة تستمد بركتها وخضرتها من ماء غسيل الألواح التي كُتب عليها القرآن الكريم، حيث إن الطلاب يغسلون ألواحهم تحت هذه الشجرة بشكل حصري.
هذا الاعتقاد مبني على فكرة أن ماء غسيل الألواح، الذي يحتوي على آثار مداد القرآن الكريم، له بركة خاصة.
وقد كان من عادات طلاب المحاظر القديمة أن تشرب هذا الماء عندما كان من الصمغ (ماء الختمة) وهو يحمل فوائد روحية وصحية.
وبما أن مئات الطلاب يختمون القرآن عدة مرات يوميًا، فإن الشجرة التي تسقى بهذا الماء تُعتبر مميزة ومباركة بقوة القرآن وتأثيره الروحي.
القرآن شفاء لكل داء لقوله تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ}سورة الاسراء: 82.
في التفسير الميسر؛
وننزل من آيات القرآن العظيم ما يشفي القلوب مِنَ الأمراض، كالشك والنفاق والجهالة، وما يشفي الأبدان برُقْيتها به،).
وهذا يعم الأمراض الحسية والمعنوية، وقد كان النبي صلى عليه وسلم يقرأ على نفسه، وعلى المريض من أهله: المعوذات، فلولا أن ذلك ينفع لم يفعله.
في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا.صحيح مسلم(2192).
وعَنْها رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ: نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي.صحيح مسلم(2192).
وروى ابن حبان عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَامْرَأَةٌ تُعَالِجُهَا، أَوْ تَرْقِيهَا، فَقَالَ: (عَالِجِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ). صحيح ابن حبان (6098)
قال ابن القيم رحمه الله في تفسير الآية السابقة: أن (مِن) هاهنا لبيان الجنس، لا للتبعيض.
قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ) سورة يونس الآية: 75.
فالقرآن : هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية ، والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة.)
تأسيسا على هذا تصبح الشجرة للتداوي بدليل الكتاب والسنة و رمزًا للبركة والعلم، حيث يجتمع فيها الجانب الروحي والعملي. وقد جربتها شخصيا.
فكما أن القرآن يغذي الروح ويهدي العقل، فإن هذه الشجرة تُغذى بمداد القرآن، فتصبح مصدرًا للشفاء والبركة.
بهذا الفهم، يمكن القول إن الشجرة البلسم في تندوجة ليست مجرد شجرة عادية، بل هي رمز للبركة التي تأتي من العلم والقرآن.
وهي تذكير بأن الأرض الطاهرة التي تحتضن العلم والقرآن تكون مليئة بالبركات والخيرات.
فكما أن شجرة العلم تُثمر بالمعرفة والهداية، فإن شجرة البلسم تُثمر بالشفاء والرحمة، مما يجعلها تكاملًا جميلًا بين العلم والبركة في هذه الأرض المباركة.