عندما يصبح لموريتانيا (شنقيط) معرض دائم للكتاب/المرابط ولد محمد لخديم

أسدل الستار على النسخة الأولى من معرض نواكشوط الدولي للكتاب — وهي الأولى بالنسبة لوزارة الثقافة، لكنها في الواقع الثانية في تاريخ موريتانيا، إذ شهدت البلاد أول معرض للكتاب سنة 2004م، أقيم بتعاون بين جامعة نواكشوط ومؤسسة إعلامية كان يديرها الراحل علّال ولد الحاج.
     وقد تميّزت تلك النسخة الأولى آنذاك بإقبال واسع، في سياق مشروع وطني لتشجيع الكتاب ومحاربة الأمية.
واليوم، وبعد ربع قرنٍ تقريبًا، نعيش أجواء هذا المعرض الجديد الذي اقترح له الزميل الدكتور الشيخ معاذ سيدي عبد الله اسم «رفوف الصحراء» — وهي تسمية بليغة تجمع بين الأصالة والمعاصرة في بلاد شنقيط المنارة والرباط.
كانت النسخة ناجحةً بكل المقاييس، فاقت التوقعات، وأبرزت مدى تعطش الموريتانيين للكتاب وحنينهم إلى قراءته واقتنائه، إذ ظلّت ممرات المعرض مكتظة بالزوار والقراء والمتسوقين طوال أيام الفعالية.
     ورغم ما شاب التنظيم من نواقص طبيعية في البدايات، فإنها لا تقلل من قيمة الحدث ولا من نجاحه، بل تندرج في إطار أخطاء التجارب الأولى.
من أجمل المشاهد التي تثلج الصدر تلك الطوابير الطويلة لرواد المعرض بانتظار توقيع المؤلفين — وهي ثقافة جديدة في بلادنا.
     أتذكر أنه في معرض سابق، طلب مني مدير دار النشر التي أصدرت كتابي «معرفة الله: دلائل الحقائق القرآنية والكونية» — الحاصل على جائزة شنقيط — أن أكون حاضراً باكراً لتوقيع النسخ، فقلت له آنذاك إننا لا نملك بعدُ هذه العادة الثقافية. واليوم، سرّني أن أرى الأمر يتحول إلى واقع جميل بفضل مبادرة الشاعر دياكيتي سك.
كما أن تفاعل القراء الشباب، من الجنسين، وإقبالهم على شراء الكتب رغم ضيق ذات اليد، يبشر بجيل علمي وثقافي واعد.
     ولعلّ اهتمام رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني للمعرض، وشرائه للكتب كما فعل سلفه معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، تمثل إشارة رمزية قوية تؤكد أن الثقافة في صلب الاهتمام الوطني.
     لقد مرّ المؤلف الموريتاني بفترة من الإحباط، حين سادت وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي على حساب الكتاب الورقي، لكن حضورنا ومتابعتنا لمعارض الكتب — ومنها هذا المعرض — بدد المخاوف وأعاد الثقة في الكتاب الورقي الذي ما زال يحتفظ بوهجه وخلوده.
إننا نأمل من رئاسة الجمهورية، ومن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني المهتم بالشأن الثقافي، أن يدعم إنشاء مراكز ثقافية ومكتبات عمومية في هذا الزخم الإيجابي.
       فحسب دراستي للساحة الثقافية والعلمية، فإن الجيل الحالي واعد، ولن يكون مثل أولئك الذين بددوا أموال مشاريع الكتاب والمكتبات والمخطوطات في الماضي، ضاربين عرض الحائط بتاريخ بلاد شنقيط الثقافي العريق.
لقد قال الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله:
«موريتانيا لم تحقق شيئًا إلا بالثقافة».
     فهل يفعلها الرئيس الغزواني ويفجر ثورة ثقافية وعلمية حقيقية في هذا المناخ المواتي، بعد أن توفرت الظروف التي لم تتح للرئيس معاوية رغم دعمه السخي للثقافة؟
ذلك هو السؤال الثقافي الكبير الذي ينتظر الإجابة.

شاهد أيضاً

إعلان نتائج جائزة شنقيط لعام 2025م/المرابط ولد محمد لخديم

أعلن مجلس جائزة شنقيط، اليوم الأربعاء، أسماء الفائزين بالجائزة في دورتها لعام 2025م، وذلك بعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *