عندما نشرتُ مقالي في موقع آفاق فكرية تحت عنوان: «عندما يصبح لموريتانيا (شنقيط) معرض دائم للكتاب»
(https://avaghfikria.info/archives/3619)
لم أكن أتوقع حجم التفاعل الذي أثاره في الأوساط الثقافية داخل موريتانيا وخارجها.
من بين القراءات التي وصلتني، كانت قراءة مميزة كتبها الأستاذ خليل عدة في موقع الجزائر الجديدة، تحت عنوان:«موريتانيا على أعتاب نهضة ثقافية جديدة: من “رفوف الصحراء” إلى حلم معرض دائم للكتاب»
في هذه القراءة الثقافية الغنية بالدلالات، توقّف الكاتب عند مقاربتي لمعرض نواكشوط الدولي للكتاب – رفوف الصحراء، فرأى فيهارؤية ثقافية شاملة تتجاوز مجرد رصد حدثٍ ثقافي إلى طرح مشروع وطني دائم يجعل من الكتاب مركز الفعل الثقافي في موريتانيا.
وقد اعتبر أن حديثي عن «رفوف الصحراء» يحمل رمزية عميقة، حيث تتحول الصحراء في هذا التصور إلى مكتبة مفتوحة تحفظ ذاكرة البلاد، وتعبّر عن امتداد الفكر الموريتاني في فضاء الرمال، بين الأصالة والمعاصرة.
سعدتُ بهذا التفاعل من مثقفٍ جزائريٍّ قرأ في تجربتنا الثقافية الموريتانية مؤشّر نهضة قادمة، تربط بين إرث شنقيط العلمي وطموح موريتانيا الحديثة نحو ترسيخ صناعة الكتاب والمعرفة.
إن مثل هذه القراءات تشجعني على الاستمرار في هذا المسار الفكري الذي يجعل من الثقافة جسرًا للتواصل بين الشعوب، ومن رفوف الصحراء عنوانًا لنهضة فكرية قادمة بإذن الله.
نص القراءة؛
في قراءة ثقافية حملت كثيرًا من الدلالات، قدّم المرابط لخديم، صاحب كتابي “معرفة الله: دلائل الحقائق القرآنية والكونية، ودين الفطرة :استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية”، والنائب الأول لرئيس منتدى الفائزين بجائزة شنقيط، إضافة إلى إدارته منصة آفاق فكرية، مقاربة شاملة حول التجربة الجديدة لمعرض نواكشوط الدولي للكتاب، معتبرًا أن العاصمة الموريتانية عاشت حدثًا ثقافيًا لم يشبه ما سبقه، بعدما طُويت صفحة النسخة الدولية الأولى من هذا المعرض الذي تكفلت وزارة الثقافة برعايته، بينما يمثل في الواقع ثاني محاولة من نوعها بعد تجربة سنة 2004 التي أقيمت بشراكة بين جامعة نواكشوط ومؤسسة إعلامية كان يشرف عليها الراحل علّال ولد الحاج. يومها سجّل المتابعون حضورًا جماهيريًا لافتًا ضمن مشروع وطني يشجع القراءة ويحارب الأمية، أما اليوم فيبدو أن النسخة الجديدة أعادت إحياء الحلم بروح مختلفة، ومع اسم شاعري اقترحه الدكتور الشيخ معاذ سيدي عبد الله: “رفوف الصحراء”، وهو عنوان يجمع في نبرته بين هوية شنقيط الأصيلة وإيقاع الحداثة.
ويؤكد المرابط أن هذه الدورة كسرت سقف التوقعات، إذ ازدحمت الأروقة بالزوار والقراء والراغبين في اقتناء الكتب، في مشهد عكس شغفًا واضحًا لدى الموريتانيين تجاه الثقافة بعد سنوات من الفتور. ورغم بعض الهفوات التنظيمية التي ترافق عادة التجارب الأولى، إلا أنها بقيت تفاصيل هامشية لم تقلل من أهمية الحدث ولا من رمزيته. ومن أبرز الصور التي شدّت الانتباه طوابير القراء أمام المؤلفين طلبًا لتوقيع الكتب، وهي ظاهرة لم تكن مألوفة في موريتانيا، قبل أن تتحوّل إلى طقس ثقافي بفضل مبادرات جادة، من بينها مبادرة الشاعر دياكيتي سك التي ساهمت في إعادة الاعتبار للكتاب الورقي وطقوسه الجميلة.
ولفت المرابط إلى أن حضور الشباب من الجنسين واقتناءهم الكتب رغم ضيق الإمكانيات يعد مؤشرًا على وعي معرفي واعد، كما أن وجود رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، وحرصه على شراء الكتب كما فعل من قبل الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، حمل رسالة قوية مفادها أن الثقافة لا تزال جزءًا من اهتمام الدولة. ويرى أن الكاتب الموريتاني مرّ بفترة تراجع وثقة مهزوزة مع انتشار التكنولوجيا وهيمنة الوسائط الرقمية، غير أن هذا المعرض أعاد إليه الأمل بعدما شاهد الجمهور يعود إلى الكتاب بشغف، ويعيد الورق إلى مسرح الثقافة.
غير أن هذا الزخم، في نظره، يحتاج إلى عناية مدروسة من خلال إنشاء المكتبات العمومية وتفعيل الفضاءات الثقافية في مختلف المدن والأحياء، حتى تتجذّر العادة القرائية داخل المجتمع. فموريتانيا، بما تحمله ذاكرة شنقيط من تراث علمي وديني ولغوي، قادرة على تحقيق نهضة ثقافية حقيقية متى توفرت الإرادة. وهنا يستدعي المرابط كلمات الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله حين قال: “موريتانيا لم تحقق شيئًا إلا بالثقافة”، قبل أن يترك سؤالًا مفتوحًا للأيام: هل يقتنص الرئيس الغزواني فرصة هذا المناخ الواعد ويقود ثورة ثقافية تمتد إلى عمق المجتمع، وتعيد المعرفة إلى الصدارة بعد عقود من الانتظار؟ سؤال يضعه الزمن بين يدي الجيل القادم.
آفاق فكرية بحث، معرفة، تبادل ثقافي