الأسطورة الموريتانية التي يطرحها الدكتور احظانا تتناول صراعًا بين جبلين، “بن أعميره” و “آكرراي”، على أبوة ابنة “عيشه اذخيره”، الصخرة التي ارتبطت بهما دون تفضيل.
تعكس الأسطورة معاني القوة والتضحية والمنافسة، وتبرز رسائل حول مصير الشخصيات المغرورة أو المتسرعة في اتخاذ القرارات.
الصراع ينتهي بخسارة “آكرراي”، الذي يصبح جزءًا من تكوين تكانت، بينما يُحكم على “بن أعميره” بالعيش وحيدًا بسبب غروره.
الحكاية تحمل دروسًا عن أهمية الحفاظ على العائلة والابتعاد عن التناحر الذي يؤدي إلى التفكك.كما تشير إلى العلاقة العميقة بين الإنسان والطبيعة في التراث الموريتاني. الكاتب يتميز بطرح مواضيع عميقة ومميزة تمزج بين الفكر، والثقافة. تعكس فهماً واسعاً وحرصاً على تقديم رؤى جديدة ومثرية.
المرابط لخديم
نص المقال:
روى بعض جبال تيرس من بين مارووا:
أن صخرة “عيشه اذخيره” كانت فتاة بارعة الجمال فطلب يدها رجلان قويان كريمان من أبناء عمومتها هما: جبل ابن اعميره، و جبل آكرراي. ولأنها لم تستطع أن تفضل أحدهما على الآخر
استجابت لهما معا، دون أن تخبر أحدهما عن زواجها بصاحبه، ولم يكن ذلك محرما في شريعة الجبال حينها.
بعد فترة حملت عيشة اذخيره ووضعت بنتا تشبهها، فادعى كل الجبلين أنه هو أبو البنت الشرعي. وتخاصما في ذلك خصومة عظيمة رددتها كل الجبال والسهوب في تيرس وجوارها، وبحثا عن قاض يقضي بينهما لكنهما لم يجداه في مجتمع الجبال، فاتفقا على أن يتصارعا وأيهما صرع الثاني تكون البنت بنته.
وفي اليوم الموعود تناطح الجبلان واشتبكا اشتباكا عنيفا، وثار الغبار ولم ير الشهود تفاصيل ما يجري لأن عجاج المعركة المدوية أعمى أبصارهم. وقد احتضنت عيشه اذخيره بنيتها الغالية خوفا عليها من هذين الجبلين الهادرين.
بعد هياط ومياط انقشعت المعركة فإذا الجبال الشاهدة قد هربت كلهاخوفا على نفسها من أن يصيبها شر. ولم يكن الجبلان حيث كانا يتصارعان.، وقد استطاع بعض شهود الجبال أن يعرف نتيجة المعركة بعد ذلك بزمن، فقصها على جيرانه من الجبال، وترددت الحكاية كالصدى في كل الجبال والأودية:
لقد استطاع ابن اعميره أن يرمي آكرراي بعيدا في أقاصي تكانت وقد انشطر رأسه أربع شعب وتناثرت منه الصخور يمينا ويسارا. أما ابن اعميره فلصلابة جسمه وقوته البدنية فإنه ارتمى من قوة خصمه بحيث لم تره عيشه اذخيره بعدها.
احتفظت عيشه اذخيره ببنتها إلى الأبد وهي لا تزال إلى اليوم تحتضنها خوفا عليها من أن يختطفها أحد الجبلين..
أما آكرراي فإنه -بعد أن أفاق من هول سقوطه في أرض صلبة- تقرب إلى تكانت وتزوجها زواجا طويل المدة. وقد ولدت له لعصابه، والركيبه، وخلقا كثيرا من الجبال بعد ذلك.
ولكن ابن اعميره المغرور بقوته البدنية أفاق من سقطته، وكما لم ير عيشه اذخيره وبنتها حوله، فإنه لم ير آكرراي، ولما بحث عن زوجة جديدة من بنات عمه لم يجدها فعاش إلى أبد الآبدين أعزب منفردا.
ولذلك يراه الرائي إلى اليوم وهو مضجع على قفاه يبكي ويزم شفتيه مقطبا جبينه، حزنا وأسفا.
د. محمد ولد أحظانا: رئيس منتدى الحاصلين على جائزة شنقيط.
من كتابه: روائع الأساطير والحكايات الموريتانية – (مخطوط نشرت منه عدة مختارات).