مقال الأستاذ الدكتور Isselkou Ahmed Izidbih يناقش دور العرب في نقل التراث العلمي والفكري الإغريقي إلى أوروبا خلال العصور الوسطى، مما ساهم في انطلاق النهضة الأوروبية الحديثة.
يبرز المقال أمثلة مثل ترجمة “العناصر” لإقليدس، و”القانون في الطب” لابن سينا، وشروح ابن رشد لفلسفة أرسطو، موضحاً أن العرب لم يكتفوا بحفظ التراث بل أضافوا إليه وأثروه.
كما يدعو العرب إلى التركيز على استرجاع زخمهم الحضاري من خلال التعليم والبحث العلمي بدلاً من الاقتصار على المطالبة بالآثار والمخطوطات المادية.
يشير المقال إلى أن النهضة لا تتحقق بمجرد استعادة التراث، بل بالابتكار القائم عليه.
متسائلا عن أسباب تعثر الأمة العربية والإسلامية، مؤكداً على أهمية التجديد الفكري والعلمي، ودور الأنظمة السياسية والمؤسسات البحثية في هذا التراجع.
ويختتم بدعوة لإعادة صياغة العلاقة مع التاريخ واستغلال الإرث الثقافي لبناء حضارة حديثة تنافس في مجالات العلم والتكنولوجيا.
المرابط ولد محمد لخديم
نص المقال:
ضالة العرب غربا.
١- يتألف مرجع “العناصر” من ثلاثة عشر كتابا تم تأليفها (أو تجميعها) من طرف العالم الإغريقي “إقليدس” 300 سنة قبل الميلاد ؛ وأحيانا يضيف البعض كتابين آخرين يشكك الكثيرون في تأليفهما من طرف العالم الإغريقي المشهور، ليصبح مجموع الكتب خمسة عشر.
لقد ضاعت كل النسخ الأصلية الإغريقية باستثناء مقاطع جلدية قصيرة ومحدودة. ولولا ترجمة أولى إلى اللغة العربية من طرف الحجاج بن يوسف بن مطر، في القرن الثامن الميلادي، وترجمة عربية ثانية من طرف إسحاق بن حنين (راجعها لاحقا ثابت بن قرة وأثراها)، لما اطلع العلماء الأوروبيون أصلا على “العناصر”. فهل كانت النهضة الأوروبية الحديثة في مجالات الرياضيات والفيزياء والهندسة المعمارية والفنون التشكيلية وغيرها، سترى النور لولا الترجمات من العربية إلى اللاتينية ل-“العناصر”، في القرن الثاني عشر، على يد الإنجليزي “أدلار دباث” أولا، والنمساوي-الكرواتي “هرمان من كارنثي” و الإيطالي “جيرار من كريمونا” لاحقا ؟…
٢- في بداية القرن الحادي عشر الميلادي، ألف ابن سينا موسوعته “القانون في الطب” من خمسة مجلدات، باللغة العربية. وتمت ترجمة هذا المرجع لأول مرة من العربية إلى اللاتينية، منتصف القرن الثاني عشر الميلادي، على يد “جيرار من كريمونا”، تحت عنوان : “Canon medicinae”، وتمت إعادة طباعته خمسة عشر مرة في أوروبا، خلال القرن الخامس عشر الميلادي وحده…
وشكل هذا المرجع جوهر المقررات التربوية في مادة الطب لدى الجامعات الأوروبية حتى نهاية القرن السابع عشر الميلادي، مشكلا بذلك شبه-كتاب مقدس في مجال الطب، لفترة فاقت كل المراجع المشابهة.
فهل كانت النهضة الأوروبية الحديثة في مجال الطب، سترى النور لولا الترجمة المبكرة ل-“كتاب في الطب”، من العربية إلى اللاتينية ؟…
٣- على مر حوالي أربعة عقود، ألف ابن رشد الحفيد (الأندلسي، المرابطي ) حوالي سبعة وستين كتابا، ثمانية وعشرون منها في مجال الفلسفة وحدها. واشتهر بدفاعه المستميت عن أطروحات الفيلسوف الإغريقي “أرسطو”، إلى حد أطلق عليه لقب “المعلق” (على أعمال أرسطو) في أوروبا حيث عرف كذلك ب-“أبو العقلانية”. فقد كان، مثل أرسطو، يعتقد أن معرفة المنطق تشكل عتبة إلزامية لكل متعلم. ويرجع الفضل لأعمال ابن رشد في نفض الغبار عن المنهج المعرفي الأرسطي الذي شكل الدعامة الرئيسية للنهضة الأوروبية الحديثة في مجال العلوم والتكنولوجيا. فهل يتصور “خطاب المنهج” الديكارتي مثلا، دون تعاليق ابن رشد وملخصاته ؟
ليست هناك صعوبة تذكر في مواصلة جرد مراجع رئيسية عربية، ساهمت ترجمتها إلى اللاتينية خلال القرون الوسطى، بشكل أساسي، في نهضة أوروبا الحديثة على أكثر من صعيد. فالحضارة الغربية مدينة علميا وعمليا للمكتبة العربية بعوامل النشأة والتأسيس، وتشهد على ذلك المعاجم اللغوية المعاصرة…
فبدلا من محاولة استرداد تحف أثرية محدودة وبعض المخطوطات القديمة، على العرب العمل على استرجاع ضالتهم الفكرية والعلمية، تلك الضالة التي تبناها الغرب والتي لولاها لما أضاءت “الأنوار” ليل أوروبا الدامس، خلال القرن السابع عشر الميلادي.
أ.د. اسلكو ازيدبيه رئيس جائزة شنيقيط.