يبدأ إحياء المولد النبوي في يوم 2 من صفر وذلك بأخذ الأمداح المعروفة عندهم (بابن مهيب)، يمدحونها بعد صلاة العصر حرفين، أحدهما من المكسكس، والآخر من المرفوع.
وهذه الأمداح هي ديوان الوسائل المتقبلة من مدح خير البرية، والمعروفة أيضا بالعشرينية. ألفها الوزير أبو زيد عبد الرحمن أبي سعيد يَخْلُفْتَنْ بن أحمد الفزازي الأندلسي المتوفي في مراكش سنة 637هـ، وقام بتخميسها أبو بكر محمد بن المفضل بن المُهَيَّبْ من علماء الصحراء. وقد وصف ما قام به من عمل حيث قال: ” لست من رجال أبي زيد ولا من صبيانه، ولقد بلغت من فضيحة نفسي إذا جاريته في ميدانه وقرنت مخشلبي، وسيء جلبي بلؤلؤه ومرجانه، ما يبلغه كل متعاط ما ليس في وسعه متكلف ولا معين له عليه من مادة علمه، وجودة طبعه، وها أنا أيها الناقد قد كفيتك بالإقرار بنقصي مؤونة التنقيص، ونصعت لك عن قصوري، فاكتف بهذا التنصيص، وأنت قد وجدت مكان القول فقل إن كان لك لسان، وعف على آثار إساءتي بإحسانك، إن كان معك إحسان، وإلا فلا تسبق إلى عيب ما لست تقدر قدره أيها الإنسان، ودونك فابذل جهدك في تذييل مدح نبيك كما بذلت ، وإن كنت غيره تستطيع على أن تفعل فاشكر لي ما فعلت، فإنه جهدي الذي عليه قدرت، وعلى الله في قبوله توكلت”.
وقد درجوا على تقليد خاص بهم في تلك الأمداح حيث قسموا حروف الديوان إلى ثلاث قراآت:
القراءة الأولى: (وتعرف في مصطلحهم بالضربة) المكسكس، مثل حرف الهمزة، ويبدأ بقوله
خليلي عوجا بالمحصب وانزلا ولا تبغيا عن خيفه متحــــــــــــولا
فأكرم به مغنى تحراه منــــــــزلا أحق عباد الله بالمجد والعلى
نبي له أعلى الجنان مبوأ
القراءة الثانية: الممسكن
مثل حرف النون، ويبدأ بقوله:
أيا لائمي أقصر عن اللوم أو زدي وخالف وإلا إن عقلت فأسعد
فما دد منــى لا ولا أنا مــــــــــن ددي نعمت بذكر الهاشمي محمد
وساعدني في مدحه اللفظ والمعنى
القراءة الثالثة: المرفوع
وهي حروف معلومة مثل حرف الضاد، ويبدأ بقوله:
دع القول في يوم بدارةِ جلجل ومــدح نبي الله فصل وأجمـــــــــــل
وقل للذي يعنى بحب التنـفل ضمان علينا مدح أفضل مرسل
فمدح رسول الله من أوكد الفرض
ولابن مهيب ختام فيه دعاء عام حينما يقول:
يا ربنا في أرضه وسمائـه أمتنا على تصديقنا باصطفائه
فإن وذو الأشواق يعيا بدائه يشق علينا العيش دون لقائه
إذا الدين لم يكمل فلا كانت الدنيا
والمداحون في هذه الحروف يتمايلون في أصوات يختلف فيها من هو حسن الصوت ومن هو أقل من ذلك. ويقول أهل شنقيط أن المديح تستعمل فيه جميع الأوتار الصوتية نتيجة للقراآت الثلاثة التي يعتمدونها في مدح ابن مهيب. وقد اشتهرت أسر بعينها في ذلك المديح حتى أصبحوا أعلاما في ذلك لا يجاريهم أحد في إتقان الضربة وحسن الصوت.
وفي ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم يختمون ابن مهيب مرتين، ويبدأونه بعد صلاة المغرب إلى أن يصلوا صلاة الصبح، فيقومون بالدعاء ويتفرقون.
وقبل بداية المديح، يقرؤون همزية البوصيري وهي قوله:
كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ يا سماءً ما طاوَلَتْها ســـماءُ
وميميته:
أمِنْ تَذَكُّرِ جِيران بِذِي سَلَمٍ مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ
أما يوم الاسم فهو عيد كبير عند أهل شنقيط، يعظمونه كثيرا وهو تقليد خاص بهم فتراهم يلبسون الثياب الجديدة ويجتمعون في المسجد لإحيائه وقراءة الأمداح، وهذه المرة يختمون ابن مهيب ثلاث مرات، بعد قراءة الهمزية والميمية، وبعد ختم ابن مهيب، يقومون بمدح قصيدة: أهلا بشهر المولدي، ومطلعها:
أهلا بشهر المولدي شهر النبي الأمجد
ثم يقومون بالدعاء بعد صلاة العصر، ويتفرقون لحال سبيلهم.
في ليلة المولد ويوم اسمه عليه الصلاة والسلام، تقام الموائد وتجهز للمداحين في دور الوقف الخاصة بالمسجد، وقد يقوم بعض الأثرياء بأخذ بعض المداحين إلى منزله ويحضر لهم الطعام، وبعد انقضائه يعودون إلى المديح في المسجد. أما إقامة الشاي وإحضار الشراب فيكون بجانب المداحين قريبا منهم، ولم يكن معروفا داخل المسجد، إلا أن المتأخرين أجازوه وأصبح متداولا داخل صحن المسجد.