منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه دماء الجرح الفلسطيني في سيلانها, والكتاب يكتبون ويؤلفون, والخطباء يخطبون ويزمجرون, والقادة يتداعون ويتناقشون, ويتجادلون وينفضون. فألقيت آلاف المحاضرات, والقصائد والخطب, وحبرت عشرات الآلاف من المقالات , والكلمات , وعقدت مئات الاجتماعات ثم تلتها البيانات والتوصيات,وكل هذا من أجل القضية التي باعها البعض وجلس البعض الآخر على أريكته متفرجا ينتظر المساومة ..
إن صور الحرب الخامسة على غزة التي عرضتها شاشات العالم وما نشاهده اليوم من هجوم همجي كفيل بفهم عقلية الإسرائيلي المتمثلة في عقيدة (أرض الميعاد), والتي عاد اليهود في زماننا لإحيائها في نفوس شبابهم, فأصبحوا بفضل هذه العقيدة يقاتلون فوق أرض فلسطين بروح لا يقاتلون بمثلها في أي جزء من العالم, ويستميتون في الدفاع عما احتلوه من أرضها.
وعلى النقيض من هذه الحالة يبرز واقع أمتنا المر, امتنا الضعيفة المتفرقة المتشتتة, أمتنا المسلولة, التي تعاورتها الأدواء, وتعاونت عليها العلل, وانصبت عليها سيول قاذورات الحضارة الغربية, وطغى عليها طوفان الشهوات والملاهي, وهجم على عقول أبنائها خليط عجيب من العقائد والأفكار والآراء, وتعاونت كل هذه الأمراض على الأمة, فأذهبت رجولتها, وأفقدتها كرامتها, وأذلتها في العالمين, وكادت أن تزهق روحها)
أيعقل أن احواننا في غزة يقطع عنها الماء والكهرباء وتضرب بآخر التكنلوجيا الأمريكية والصهيونية وأكثرية المواقع العربية لاهية كعادتها في الشهوات والملاهي وأخبار المشاهير،،،!!
في بلدي موريتانيا لاصوت يعلو فوق مجازر غزة وجرائم الصهاينة ومن ولاهم!! عبارات الشجب والكراهية للصهاينة وأمريكا وفرنسا وابريطانيا وألمانيا…
ناهيك عن الأدعية في المساجد وجمع التبرعات على مدار الساعة….
وإذا كانت إسرائيل هي المقصود بدعاء عليها بوصفها العدو التقليدي للإسلام وللمسلمين, إلا أنه من اللافت للنظر دخول أمريكا وفرنسا وابريطانيا والمانيا على الخط. وليس مستغربا هذا الموقف النبيل اتجاه إمبراطورية انهارت أخلاقيا بسبب إسرائيل وهاهي على شفا تدهورها ماديا بما كسبت يديها.
في تونس الخضراء يقف الرئيس قيس اسعيد ويقول:
لن يضيع حق الشعب الفلسطيني وستقام دولته وعاصمتها القدس الشريف.)
وفي الكويت حذر ت الدولة مشكورة الحفلات ومظاهرها فالامة في حرب!!
يعيش العالم اليوم على وقع تداعيات طوفان الاقصى ليضفي بعدا جديد اقليميا وعالميا لقضية غزة. والقدس….
وإسرائيل تعرف جيدا أن العالم تعاطف معها لسبب محرقة الهولكوست المزعومة. وقد كان أساس هذه الرسالة هو الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب وقد أبدع في إخراجها للعالم مؤلفون مبدعون ومثقفون محنكون. حتى ليحس المرء بعد مطالعته لقصة أو مشاهدته لفيلم عن هذه المحرقة بحاجة إلى أن ينزوي نفسيا من هول ما شاهد وطالع.!!
كان ذالك قبل (محرقة غزة) التي جسدت كل تلك المشاهد وزادت عليها مع الفارق بين الزمنين, وان كنا لم نشاهد صور المحرقة الأولى, فإننا شهود على هذه المحرقة والتي نشاهد فيها صورا تقشعر لها الأبدان وتموت لها القلوب كمدا, من هول الموقف فمثلا: أطفال مقطعة الرؤوس, وأشلاء لنساء, ومئات العائلات نسفت من السجل المدني, ومباني هدمت, ومساجد خربت, وكأننا أمام زلزال من صنع البشر, وسط صراخ: الأطفال والنساء والشيوخ وبين تلك الأصوات الصارخة في معركة غير متكافئة، يحس الإنسان منا ضميره الإنساني و هو يشاهد تلك الصور المقززة, يسأله ألهذا الحد وصل بطش الإنسان بأخيه الإنسان؟! في عالم يدعى الحرية وحقوق الإنسان!!
ويأخذ ينعم النظر محدقا ببصره، وهو إذ يملأ بالذي يراه عينا، يملأ به فكرا، ويملأ به قلبا. وان لم يكن موجودا في أرض المعركة بجسمه, فانه يعيشها من موقعه عاطفة وعقلا.!!
وستبقى غزة العزة تكتب بدمائها على أرضها تساؤلات: كم يكفى من هذه الدماء لإيقاظ أمة متفرقة, ضعيفة ذليلة,غثاء كغثاء السيل, كرهت الموت, واستطابت الحياة, وزهدت في كل مجد, وتجمعت عليها كل عوامل الضعف والتفسخ؟ وأين هو الضمير الإنساني؟ وأين تلك الوجوه التي ملئت الشاشات بتجريم بعض الرؤساء أحيانا؟ وأين مجلس حقوق الإنسان؟ و مجلس جرائم الحرب الذي جرم روسيا في اسرع وقت ممكن في حين يغض الطرف عن اسرائيل ؟
على حد قول الشاعر:
حكم العنف أيها الإنسان @ إنما السلم خدعة وهوان.
لقد تناسى الغرب والعرب المتواطئين معه بقصد أو غير قصد ما بات يعرف بالسماء المفتوحة والقرية الكونية…
الإعلام المرئي يلعب دورا بالغ التأثير في تبليغ الرسالة الإعلامية إلى العالم أجمع”.
فالصور الناطقة للدماء التي سكبت على البحر والأرض التي ترتبط بأهلها ارتباطا عضويا, أنجزت ما لم تنجزه العرب مجتمعة. حيث نقلت(القضية الفلسطينية) إلى الرأي العالمي وبينت على مرأى ومسمع من الجميع العدو والمتواطئ, والعاجز والمتخاذل…
وهذا ما كان ليحصل لو لم يتمكن أبطال هذه الأمة المخلصين من امتلاك تقنيات الإعلام بعد أن تكسرت احتكارات المعرفة, في عصر المعلومات مبينين بعدساتهم الجريئة وتحليلاتهم المهنية سخافة الديمقراطية والعالم الحر التي يتباهى بها الغرب, واتخاذه الإرهاب مطية وعنوانا براقا يتستر ورائه. والغريب في الأمر أن مقولة الإرهاب هذه تنكمش وتذوب عند مناقشة قضايا تتعلق بإسرائيل, وتتسع وتتماع عندما تكون غطاء للنيل من الدول والأشخاص التي آثرت كرامتها على أن تكون ببغاوات له ولنهجه..
وهذا السلاح مكن من تصحيح المعادلة الصعبة التي أرقت أكثرية رؤساء أمريكا,
بعدما توفرت مكاسب دموية جديدة على مرأى ومسمع من العالم, والتاريخ يشهد أن الأراضي المحتلة عمرها لم تتحرر إلا بالسلاح وبالدم. ولعل الدول ذات الخلفية الاستعمارية أدرى بهذه القضايا من غيرها فمذ متى أصبحت الحركات التحررية في العالم ارهابا؟! الثورة الجزائرية المقاومة في موريتانيا المقاومة الليبية عمر المختار وغيرها..
هؤلاء كان يطلق عليهم الاستعمار المحتل الخونة…. المخربين!! مع أنهم مقاومين لتحرير أرضهم!!
يقول الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم.
فالشواهد الناطقة للأشلاء التي تقطعت, والدماء الزكية التي سكبت,والمنازل التي دمرت والمساجد والمدارس التي خربت, خلقت (شرق فجر جديد), وعززت لأول مرة خيار المقاومة وضرورة امتلاك السلاح وسلاح الكلمة والصورة, بدل التهافت على ما يسمى ب:(السلام).الذي ضاع مع الأجزاء الآدمية التي تقطعت في هولكوست غزة الجديد..
وكأننا نردد مع شاعرنا الكبير أحمد ولد عبد القادر في ستينات القرن الماضي:
يا فلسطين يا فريسة عصر @ لقوى الشر عيره غليان
حطمي اليأس بالنضال وثوري @في مسار قوامه الشجعان
لا يرد الحقوق إلا دماء @@تتلا لا كأنها الأرجوان
فعصب الحياة مازال حيا @ يقذف الموج نبعه الريان
سلمى الشعب وامنحيه انطلاقا @فبغير الشعوب لا يستعان
أيها ألاجئ المشرد ظلما @@ أيها النور أيها الإنسان
لا تدع حقدك الدفين رفيقي @@حسرات يلوكها الوجدان
حول الحقد نقمة وجحيما @@ يتلظى لهيبه الجذلان
لا يوجد إعلام حر مطلق، كما لا يوجد إعلام حيادي بالمطلق حتى الإعلام الغربي الذي يتبجح بالحرية لديه درجة من الانحياز لإسرائيل وهذا ما رأيناه في الحرب على غزة وما نشاهده اليوم, في بى بى سى الانجليزية والقنوات الأمريكية والأوربية في تعاليقها على مجزرة غزة وكونها تأخذ من الجانب الإسرائيلي فقط..
وعدولها بعد ذالك لأول مرة عن هذا الاجراء بعد أن أحرجتها شهادات وطواقم اعلامية منصفة غربية كشفت عن تفاصيل تصدرت كبريات وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة الغربية والدولية والعالمية ..
مراسلة العملاق الأمريكي سي ان ان تعتذر على الهواء عندما قدمت خبرا خاطئا عن الرئيس الامريكي بايدن عندما ادعى ان المقاومة حماس قطعت رؤوس أطفال ليتراجع البيت الأبيض مكذبا الخبر في مابات يعرف بأكاذيب بايدن وهي ليست جديدة فقد قالها عن العراق بأنه يمتلك السلاح النووي ويتبين كذبه بعد ذالك بعد أن قتل وشرد الملايين!!
قتل وتشريد أهالي غزة أخرج مظاهرات عالمية حتى في تلك الدول الحاضنة لإسرائيل.. لنصرة لقضية الفلسطينية وأظهر دعوات غير مسبوقة بمحاكمة قادة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية, بعد أن عاشت عقودا فوق الشبهات إعلاميا.!!
النائب الامريكي كراهام يقول: ان حرب غزة حرب دينية؟!
الرئيس الأمريكي بايدن يقول : لولم توجد اسرائيل لاخترعناها).وزيرخارجيته انتوني بلينكين يقول حرفيا في تل ابيب : زيارتي ليست فقط بصفتي وزيرا للخارجية، وبصفتي يهوديا فر اجداده من القتل….
فرنسا تمنع المظاهرات الداعمة للفلسطينيين وتقمعها..
ابريطانيا والمانيا تمنعان المظاهرات الداعمة للفلسطينين وتصادر الأعلام الفلسطينية وتسجن وتفرض غرامات مالية!!
معركة غزة العزة تفضح العالم الذي يدعي الحرية والديمقراطية!!.
مؤسسات غربية كبرى تخضع لاسرائيل وتبث صورا وسرعان ماتتراجع عنها بعد ان تبين زيفها وفبركتها!!
مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك و x تويتر سابقا يخضعان للحملة الاوروبية والامريكية المكشوفة!!
منذ بداية القضية الفلسطينية، والحروب والنزاعات ومفاوضات السلام،تبارح مكانها!!
غزة العزة اليوم تكشف جانبا للمواطن العربي مفاده أن الادارة الامريكية والدول الاوروبية خاصة فرنسا وابريطانيا محكومين لاسرائيل تفعل بهم ماتشاء وانه من المستحيل ان تضغط امريكا وبريطانيا وفرنسا لاقامة دولة فلسطينية،!!
من نصف قرن موفدو السلام الدوليون التابعون للامم المتحدة وغيرها الى الشرق الاوسط، ماذا قدموا وازاحوا في ملف المفاوضات والسلام ؟ لاشيء فا الاستيطان انهى حلم اي دولة فلسطينية!!
القضية الفلسطينية، قبل وبعد معركة «طوفان الاقصى» ستبدو مختلفة على كل الصعد، وليست مثل ما قبل المعركة.
انقلاب معادلة المواجهة والاشتباك مع اسرائيل جعل الاخيرة تشعر بان عناصر عقيدتها العسكرية والامنية في خطر وتتعرض الى الموت والاندثار.
عندما ترى مسنشار الامن القومي الامريكي السابق بولتن يتلعثم ويقلب الحقائق تجد أن ورقة التوت سقطت عن وجه أمريكا الحرية وحقوق الانسان!!
غزة العزة هي بداية لسياق مختلف للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وبداية لمتغيرات جيوسياسية في الاقليم، وعنوانا لشرق اوسط جديد، ديدانه فتك القنبلة وتأثير الصورة!
شاهد أيضاً
د. محمد ولد أحظانا يؤرخ للموسيقى من خلال مصطلحها؛/المرابط ولد محمد لخديم
تُعدّ محاضرة الدكتور محمد ولد أحظانا رئيس نادي الفائزين بجائزة شنقيط حول الموسيقى الحسانية، التي …