مقال الدكتور محمدو أحظانا الموسوب: على سبيل إحقاق الإنصاف حول ما يجري في الشام: بين خياري مانديلا وابريمر؛
المقال يقيّم الوضع السوري بين النظام السابق والفصائل المعارضة بناءً على أربعة حسابات رئيسية:
1. الحساب الإنساني:
النظام: سجل كارثي في حقوق الإنسان، حيث اعتمد على القمع والإهانة للبقاء في السلطة، مستذكراً فظائع السجون التي تجاوزت في بشاعتها العصور الوسطى.
الفصائل: مؤشرات إيجابية بالإفراج عن السجناء حتى الآن، لكن خطر الانتقام مستقبلاً يهدد باستمرار الحرب الأهلية إذا اتبعت نهج تصفية الحسابات كما في العراق.
2. حساب مقاومة الاحتلال:
النظام: موقف مشرف من دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية، رغم الهزائم العسكرية وتدخلات إسر..ائيل.
الفصائل: غياب أي موقف أو تصريح حيال الاحتلال، مما يثير الشكوك حول التزامها بحماية الأراضي السورية.
3. حساب التماسك الداخلي:
النظام: نجاحات في استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا، لكنه فشل في الحفاظ على وحدة الأراضي، نتيجة التقديرات الخاطئة للتحالفات الدولية والإقليمية.
الفصائل: تواجه تحدياً في التعايش بين مكوناتها المختلفة، وسط خطر تحويل الخلافات السياسية إلى صراعات عقائدية.
4. حساب العلاقات الخارجية:
النظام: رغم عزلته الدولية، حافظ على دعم حلفاء رئيسيين مثل إيران وروسيا.
الفصائل: تعتمد بشكل كبير على الدعم التركي والأمريكي، بينما يبقى الدعم العربي متوقفاً على خطواتها المستقبلية.
النظرة المستقبلية:
تواجه الفصائل خيارين:
خيار مانديلا: تحقيق السلم الاجتماعي بالعفو والتسامح.
خيار بريمر: إذكاء الثأر والانزلاق إلى حرب أهلية متجددة.
خلاصة القول أن الحكم على أي طرف، نظاماً كان أو معارضة، يجب أن يستند إلى النتائج الفعلية على الأرض، لا الأقوال أو الوعود.
الوقت سيكشف الوجه الحقيقي للقادمين الجدد، ويجب أن نتجنب تعليق آمال مفرطة دون انتظار “البركة الثانية” التي تثبت صدق الأفعال.
المرابط ولد محمد لخديم
نص المقال:
لكي نكون عادلين؛ تنفتح في سوريا عدة حسابات لابد من فصلها، وتقويم كل واحد منها على حدة، بالنسبة للنظام والفصائل المقاتلة:
أولا: الحساب الإنساني؛ ومؤشر النظام السابق فيه صفري كارثي. يندى له الجبين، وتقشعر منه الأبدان، بعد ظهور الحصيلة الفظيعة من خريجي السجون وضحاياها. والحكم على الأفعال لا الأقوال، وعلى النتائج لا على طرائق الإنجاز.
وتدل حصيلة هذا الحساب على ارتفاع مؤشر المراهنة من النظام السوري على الإفراط الشنيع في إهانة الإنسان، واحتقاره، والتنكيل به.. ضمانا للبقاء في السلطة.
وهي مراهنة شائنة وخاسرة في النهاية، مهما توحش الجلادون. ولكن المعاملة بهذه الطريقة المخجلة المتخلفة كانت هي السائدة من وراء الأبواب الموصدة، للأسف الشديد، على يد النظام السوري، بما يذكر بفظائع القرون الوسطى في أوروبا.
ثانيا: حساب مجالدة الاحتلال
وهذا المؤشر يرتفع لصالح النظام السوري، حيث كانت سوريا واجهة وحقل مقاومة خصبة ومربط هيبة تجاه الاحتلال، على حدودها الجنوبية، واحتضنت مقاومة لبنان ودافعت عن المقاومة الفلسط..ينية واللبنانية في الشمال لفترات متقطعة، تخللتها مطبات متعددة ولكنها تجربة حافظت على تنامي وتزايد وتيرة المقاومة؛ وذلك رغم الأعتداءات الدائبة لإس..رائيل القوية بداعميها، المتغطرسة بذاتها، على الأراضي السورية وغيرها.
هذا المؤشر الوطني المشرف محسوب لصالح النظام السوري مهما تعددت نواقصه..
وقد واجه هذا النظام بكفاءة معتبرة حربا أهلية وإقليمية ودولية على مدى سنوات عديدة. لكنه في كل الأحوال بقي محافظا بإصرار على حيز ترابي في حدوده الجنوبية، وعلى دعم الم..قاومة باعتبارها ذراعا حرة لمشاغلة الاحتلال. حتى ولو كان التوازن العسكري مختلا لصالحه.
ثالثا: مؤشر التماسك القتالي تجاه الفصائل المحاربة، والأطماع الدولية.
بالنسبة لهذا المؤشر كان على مرحلتين وتراوح بين النجاحات الميدانية والفشل في الاحتفاظ بالوحدة الترابية الكاملة، خاصة في الشمال والشرق.. فالنظام السوري رغم نجاحه في استرجاع المدن و الاحتفاظ بمساحة كبيرة من سوريا إلا أنه فشل في استرجاع كل الأرض.
وبالتالي فهذا الحساب كان متوسطا في مرحلته الأولى ولكنه لم يستغل بالحنكة الكافية لاحقا.
أما المرحلة الثانية من إيداع النظام في هذا الحساب فهي التي أدت إلى انهياره، نتيجة سوء فهمه للأوضاع والمستجدات، ونقص معلوماته عن المؤامرة الإقليمية والدولية الهائلة التي حيكت ضده من طرف تركيا والفصائل، وحتى من حلفائه، فرفض إعطاء مقابل لجاره، أردوغان، وأهانه وأغضبه، اتكالا وسوء تقدير لمستوى التأييد الإيراني والروسي.. فسقط الأسد في هوة الثقة بهذين الطرفين وبموالاة جيشه لنظامه.
ولذا كان هذا الحساب الهامشي الأخير كارثي النتائج مثل الأول (ةلإنساني).
أما بالنسبة للفصائل والمعارضة، فيجب أن نفتح لها مجموعة من الحسابات.
أولا الحساب الإنساني
بعد إفراج الفصائل السورية عن السجناء والمعذبين، وعدم تصفيتها للحسابات بصورة مباشرة مع موالي النظام السابق حتى الآن، فهذا يرفع مؤشرات الحساب الإنساني لصالحها، لكنه حساب يبقى مفتوحا على المستقبل وإغراء الثأر، وتزيين الحلفاء للفصائل والمعارضة أن يضعوا المحاسبة نصب أعينهم، من أجل تصفية البعث وحزبه كما وقع في العراق، حتى يصبح للقادمين الجدد سجناؤهم ومنكلوهم وقتلاهم، فيبتزون بذلك، ويمحون صور بو اغريب المخجلة، وتتجدد الحرب الأهلية، ويتم الانشغال عن التنمية، ويتكرس احتلال مزيد من الأرض السورية. ويسود التناحر السوري السوري.
هذا الحساب الذي لاتزال مؤشراته حسنة إلى حد الآن هو أخطر حساب في المستقبل على سوريا.
أمام السلطة الجديدة خياران: خيار مانديلا في جنوب أفريقيا (العفو عند المقدرة، مقابل السلم الاجتماعي الدائم)؛ وخيار ابريمر في العراق (إذكاء الأحقاد من أجل الحرب الأهلية).
ثانيا: حساب التعايش بين مكونات الفصائل والمعارضة.
هذا الحساب وإن لم يكن قد تم أي إيداع سلبي أو إيجابي فيه حتى الآن، إلا أن الأرصدة المحتملة متنوعة سلبا و إيجابا. فأغلب الفصائل لديها آراء متناحرة. والآفة الكبرى أنها تعتبر رأيها السياسي دينا وعقيدة يجب الدفاع عنهما والجهاد دونهما، لأن فيهما النجاة في الآخرة، بآلية تناحر (الفرقة الناجية). وبالتالي فهذا الحساب واعد سلبا على الأرجح، وإيجابا على الأمل.
ثالثا: حساب التعاطي مع المحيطين العربي والإسلامي والدولي.
إن حساب التبعية المباشرة مفتوح وقد وضعت فيه أرصدة تركية كثيرة، أما الأرصدة الأمريكية فهي في طريق تحويلها إلى الحساب.
لكن ثمة أرصدة أخرى حيوية تأتي عبر تحويلات الجوار العربي أساسا، لم تنفتح شهيتها بعد، ارتيابا وانتظارا للخطوة التالية للفصائل المقاتلة.
رابعا: حساب التعاطي مع المحتل
هذا الحساب ارتفعت أرصدته السالبة بشكل جنوني، فرغم أن إس..رائيل احتلت جنوب سوريا، وأصبحت على مرمى البصر من دمشق، إلا أن قادة الفصائل الذين يصرحون كثيرا لم ينبسوا ببنت شفة حول هذا الحادث الجلل. مما طرح علامة استفهام كبيرة حول اهتمام القادمين الجدد بالأرض السورية وحفظها والدفاع عن حماها..
وتبعا لذلك يتولد سؤال آخر وهو: هل تعتبر الفصائل أن سلاح سوريا وبنيتها التحية ملك للدولة أم ملك للنظام المغادر، وبالتالي عليها أن تفرط فيها وتترك عدو سوريا يبطش في تجهيزاتها العسكرية، وبناها التحتية، إجهازا على مستقبل كرامة البلد.
هذا الحساب صفري بالنسبة للفصائل، بل كارثي.
تلك هي الحسابات الأبرز التي أراها مظان للحكم على كل من النظام السابق وفصائله المعارضة الحاكمة.
ومن المهم للمحلل دائما، أن يعلم أن العصمة من الخطأ ليست متاحة بعد الأنبياء، وكل الذي فوق التراب تراب، حاكما ومعارضة.. حتى لاتكون خيبة هذا المحلل شديدة.
إن تعليقنا للآمال المبالغ فيها على كل قادم، بادي ظهوره، ورؤية ملامح وجهه الخارجية، وتصديق لسانه، فقط، دون انتظار النتيجة الفعلية التي يجب أن نراها على الأرض، مسائل ضاع فيها الكثير من وقتنا الثمين.
ويقول المثل: إن للجمل برْكتين. فلننتظر البركة الثانية بأحكامنا ونراقب مؤشرات الحسابات المفتوحة للقادمين.
الدكتور محمدو أحظانا
رئيس منتدى الحاصلين على جائزة شنقيط.