رغم ما يُروّج عن تمتع المرأة الموريتانية بحرية نسبية مقارنة بنساء العالم العربي والإفريقي، إلا أن هذه الحرية كثيرًا ما جاءت على حساب كيانها الاجتماعي واستقرارها النفسي والأسري. فهي حرية لم تُبنَ على أسس العدالة والتمكين الواعي، بل ارتبطت في كثير من الأحيان بالاستهلاك والانفتاح الشكلي على أنماط وافدة لا تنبع من الواقع ولا تتناغم مع الهوية الذاتية.
لقد أغفل إعلامنا العربي، والموريتاني بشكل خاص، قضايا المرأة رغم كونها الأم والزوجة والأخت ونصف المجتمع. هذه الثغرة استغلها الآخر بإغراق الأسواق بسلع استهلاكية تُغري بالمظهر الحداثي، بينما تعمّق التبعية وتكرّس وهم التقدم.
وكلما زاد الاستيراد، قلّ الإنتاج، وتراجعت الحرية الحقيقية. فالحرية لا تُقاس بالملبس أو مظاهر العيش، بل بقدرة الفرد والمجتمع على القرار والعمل وتحقيق الذات.
من بين الظواهر الصادمة التي انتشرت، ظاهرة “الزواج السري” – وهو زواج يفتقر للعلنية ويخالف الأعراف الدينية والاجتماعية – وقد أدى إلى مشكلات جسيمة:
ارتفاع حالات الطلاق
زيادة الأطفال دون رعاية
اتساع رقعة التفكك الأسري
ويُعزى ذلك جزئيًا إلى الضغوط الاقتصادية والعادات الاجتماعية التي ترفض التعدد العلني، وتدفع نحو السر، خاصة في ظل غياب حلول مجتمعية حقيقية.
مَن يتأمل في الواقع المعيشي يلاحظ مفارقات غريبة: نساء من مختلف الأعمار يستأجرن منازل وسيارات دون مصدر دخل واضح، حياتهن الليلية تطغى على النهار، في غياب رقابة أسرية أو مجتمعية، مما يطرح أسئلة جوهرية عن واقع التربية ومآلات الأجيال.
وتزداد المفارقة حدة حين تُستخدم المرأة – بدافع الفقر أو حب الظهور – كأداة في شبكات مالية غير شرعية، مثل: ما يُعرف محليًا بـ”الشبيكو”. وتجد نفسها في دوامة استهلاك، سفر، وربما استغلال، دون حماية قانونية كافية.
والنتيجة: تفكك أسري يهدد مستقبل الأبناء، الذين ينشؤون في بيئات مضطربة، تفتقر للاستقرار والحنان.
في ظل هذا التفكك الأسري، برزت تقارير محلية تشير إلى تورط أطفال في جرائم عنف بشعة، نتيجة الغياب التام للرعاية والتربية الأسرية. والأخطر من ذلك، أن الزواج في موريتانيا ما يزال يتم دون فحص طبي إجباري، ما يفتح الباب واسعًا أمام الأمراض المنقولة جنسيًا، ويزيد من هشاشة الأسرة، خاصة حين تُبنى العلاقات الزوجية على قواعد اجتماعية صارمة داخل العائلة الواحدة.
لقد سبق أن كتبتُ في هذا المجال مقالات مثل: “هل تصلح النساء ما أفسده الرجال؟” و “هل يطبق رئيس الجمهورية فكرة الزواج الجماعي؟ ، لكن التفاعل كان ضعيفًا، وتم تحميلها أبعادًا سياسية لا علاقة لها بهدفي الاصلاحي.
وأسأل مجددًا:
هل دفعت المرأة الموريتانية ثمن “حريتها النسبية”؟
وهل لا تزال قادرة على استعادة دورها الريادي دون أن تسقط ضحية وهم التحرر والاستهلاك؟
نحن بحاجة إلى حرية تنبع من الوعي، لا من الوهم. إلى تمكين يقوم على القيم والعمل، لا على التقليد والتبعية.
فهل نحن على استعداد لمراجعة المسار؟