رغم مرور المئات يوميًا بمحاذاته، من حي “الحيط” إلى بقية أحياء أزويرات، إلا أن كثيرًا من السكان لا يدركون وجود متحف تيرس، ذلك المعلم الثقافي الذي يحتضن ذاكرة المدينة، ويحفظ ملامح تاريخها العميق.
في جلسة ودية مع بعض الأصدقاء في المدينة، سألنا أحدهم: “هل تعرفون متحف تيرس؟” أجبنا بالنفي، فردّ علينا بحماس: “إنه متحف غني، يمثل هوية المدينة وذاكرتها الجماعية!”
وفي اليوم التالي، دفعنا الفضول إلى زيارته، حيث كان في استقبالنا القيّم عليه الأستاذ الجليل المرابط ولد أبوه، أحد أعلام المدينة، ومربي أجيالها، وأول مدير لأول مدرسة ابتدائية فيها، والتي تخرج منها العديد من خيرة أطر موريتانيا من أساتذة وأطباء وضباط ودكاترة.
مفاجأة مدهشة كانت في انتظارنا داخل أسوار هذا المتحف الهادئ؛ إذ يحتضن بين جنباته وثائق وشواهد توثق مراحل تاريخ منطقة تيرس، منذ ما قبل أربعة ملايين سنة حتى يومنا هذا، عبر ثلاثة أقسام رئيسية:
1. قسم ما قبل التاريخ: يعرض مستحاثات وآثارًا تعود إلى العصور الجيولوجية الأولى، ويكشف عن الغنى الطبيعي للمنطقة.
2. قسم الحياة النباتية والحيوانية والإنسانية: يوثق البيئة البيولوجية القديمة وسكان المنطقة الأصليين، من خلال لوحات وعينات ومجسمات.
3. قسم الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (SNIM): يستعرض بدايات وتطور هذه الشركة الوطنية الكبرى، ويشرح بالتفصيل مراحل استخراج المعدن، نقله عبر قطار السكة الحديدية، وتفريغه في ميناء نواذيبو للتصدير.
وفي لقاء جانبي مع المدير العام للشركة الوطنية للصناعة والمناجم، السيد محمد فال اتليميدي، سألناه عن مستقبل المتحف، فأكد أنه مدرج ضمن أولويات المؤسسة، غير أن الانشغالات المتعددة حالت دون إعطائه ما يستحق من العناية. ونأمل اليوم أن تكون تلك المرحلة قد تجاوزتها الشركة، وأن تبادر بسرعة إلى ترميم المتحف وتحديث مرافقه وفتحه أمام الزوار بصورة دائمة تليق بمكانته.
فالمتحف لا يمثل مجرد مبنى تراثي، بل هو واجهة حضارية ترمز لهوية أزويرات وتوثق موروثها التاريخي والثقافي، كما يشكل مرجعًا مهمًا للباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة.
إنه يُخلّد ذاكرة المدينة، ويُعرف الأجيال الجديدة بجذورها، ويعزز روح الانتماء الوطني.
إضافة إلى قيمته التعليمية الفريدة، فإن المتحف يمكن أن يلعب دورًا في تنشيط السياحة الداخلية والدولية، بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي ويعيد لأزويرات مكانتها كمدينة غنية ليس فقط بالمعادن، بل بالثقافة والتاريخ أيضًا.
وقد قمنا خلال زيارتنا بتوثيق عشرات الصور، بينما بادر الدكتور بشير ولد الديانة، أحد أبناء المدينة، إلى رفعها على خرائط “Google Maps”، لتكون في متناول كل باحث أو زائر مهتم.
ومن هنا، فإننا نوجه دعوة صادقة لإدارة SNIM وكل الغيورين على التراث الوطني، إلى الالتفات الجاد لهذا الكنز الثقافي، وصيانته وتفعيله بما يخدم التعليم، ويعزز الانتماء، ويفتح آفاقًا جديدة للسياحة الثقافية في ولاية تيرس زمور.
https://maps.app.goo.gl/SXyre5cpTfX2wXvy5?g_st=aw