في صمت الجبال ووديان الصحراء، ما زالت أسماء قديمة تتردد على ألسنة سكان آدرار: أقنومريت، أطار، آزوكي… أسماء تحمل في طياتها أسرار التاريخ المنسي، وتُخفي وراء حروفها ذاكرةً ضاربة في عمق الزمان.
ليست هذه التسميات وليدة الصدفة، بل تعود جذورها إلى اللغة الأمازيغية-الصنهاجية، حيث ارتبطت منذ القدم بالجغرافيا والطبيعة: الجبل، الوادي، الصخر، والحصن. فمثلاً:
(أطار): تعني الجبل أو المرتفع.
آزوكي اشتهرت باعتبارها حصنًا وقلعة تاريخية لعبت دورًا بارزًا في مقاومة الغزاة.
(أقنومريت) من الأسماء المركبة التي تحيل إلى موضع صخري جبلي له وقع خاص في ذاكرة الناس.
مع دخول العرب والمسلمين، تغيّر أحيانًا نطق هذه الأسماء أو تكيفت مع اللسان العربي، لكنها بقيت راسخة في الاستعمال اليومي، تتناقلها الأجيال لتعرف الأمكنة والهوية.
الوقوف عند هذه التسميات ليس مجرد بحث لغوي أو جغرافي، بل هو استدعاء لذاكرة عميقة تشهد على امتداد هوية آدرار وتنوعها الثقافي. فهذه الأسماء هي شواهد حية على تلاقي الأمازيغية والعربية والإسلام في بوتقة واحدة، حيث تشكلت شخصية المنطقة ومكانتها في الصحراء الكبرى.
إدراك جذور هذه المصطلحات يعيد إلينا الوعي بثراء تاريخنا، ويجعلنا أكثر حرصًا على صون الموروث الثقافي واللغوي، لأنه ليس مجرد ألفاظ تتداولها الألسن، بل هو جذور وهوية.
المرابط ولد محمد لخديم
مدير آفاق فكرية
حفرية تاريخية: بلاد “قمنورية”
في هذا السياق، يتساءل الدكتور محمدو ولد احظانا: هل كانت “قمنورية” التي ذكرها البكري تصحيفًا لـ “أقنمريت”؟
من خلال دراسة المقارنة اللفظية والجغرافية:
1. المكان المذكور موجود حتى اليوم في آدرار عند جبل لمتونة.
2. حروف الكلمتين متطابقة تقريبًا، مع اختلاف بسيط في ترتيب النون والميم وإعلال الياء بالواو، وهذا تغيّر شائع عند النقل العربي للكلمات الأمازيغية.
3. لا وجود لمكان آخر بنفس الوصف الجغرافي، ما يعزز إمكانية تطابق التسميتين.
4. في الصحراء الكبرى، قد تطلق التسمية على وادٍ، واحة، منهل ماء، أو معلم ضمن مسارات القوافل، وليس بالضرورة مدينة كبيرة.
5. أغلب تسميات المنطقة بالصنهاجية:
آدرار (أذْرَرْ): السلسلة أو السير
أطار (أظَأرْ): المسيلة
أغْنَمْرِيتْ: نسبة إلى نوع من الحمام الصغير (الحُمَيّمِي).
بناءً على هذه المعطيات، يرى د. محمد ولد أحظانا أن “بلاد قمنورية” هي في الحقيقة بلاد أقنمريت، إلى أن يثبت العكس.
د. محمد ولد أحظانا
رئيس منتدى الفائزين بجائزة شنقيط