وإذا اختزلنا الكلام السابق في (صيغة رياضية فإننا نجد أن الإنسان صاحب عمل مكون من قول وفعل وحين نضع العمل في معادلته الصحيحة نخرج منه خارج قوس (القول والفعل) ليكون في طرف، واليكن العمل في طرف آخر فتصبح المعادلة على الشكل التالي:
القول + الفعل = العمل.
فالفعل إما أن يكون مثلا أعلى فهو فعل إلهي، وإما أن يكون مثلا أدنى فهو فعل الحيوان، أما ما يفعله الإنسان فهو الفعل الذي لا يمكن أن يكون مثلا أعلى، فليس في الوسع قراءة آخر كلمة في صحيفة التطور، ولذا فهو عمل سائر في طريق الكمال ولا يمكن أن يكون مثلا أدنى لأن في هذا إسقاط لصفة العمل عنه واقتصاره على صفة الفعل وعندما يكون كذلك فقد خرج من هويته الإنسانية..
والإنسان صاحب عمل مؤلف من قول وفعل، وإذا انفصل قول الإنسان عن فعله فقد صفة العمل التي جعلته إنسانا وفقد الحرية، لأن الحرية هي عمل في تحرير نفسه وتحرير الوجود من حوله بوعيه لحركة الجدل… وانحط إلى مرتبة الفعل الأندى مرتبة الحيوان الأعجم.
وحين خرج الإنسان من دائرة الفعل والقول إلى دائرة العمل ليحقق حريته بما يفعل ضل الطريق إلى حريته بسلوكه طريق الفعل وحده أو طريق القول وحده.
أنظر إلى ضياع الحرية الذي تجده في قوله تعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون * كبر عند الله مقتا أن تقولوا مالا تفعلون﴾ سورة الصف الآية: 2-3.
لقد ضاعت الحرية بضياع العمل وضاع العمل حين انفصل فيه القول عن الفعل والأصل هو القول + العمل. وأكبر تكريم للإنسان أنه اتؤمن على الحرية حين أعطي صفة العمل، وتكون المعادلة الجديدة:
القول + الفعل= العمل و= الحرية
على فرض أن كل طرف من أطراف هذه المعادلة قائم على وعي حركة الجدل، ولما كان الوجود كله مادة خاما لا عمل فيها، فهو ضرورة لا وجود فيه للحرية. لأن هذا الوجود بلغ بحركته أقصى الحرية حين بلغ القيد.
ونحرر منه على مقدار ما نقول ونفعل، أي على مقدار ما نعمل، ونعمل على مقدار ما نعي من حركة الجدل فيه…
وكل شيء لا تعمله أنت بيديك فهو ضرورة، ولو نظرت إلى كل الموجودات المصنعة على أنها ضرورة، وأن ما تحرره منها خالصا لك يكون مناسبا مع مقدار عمل ووعيك لحركة الجدل فإن نظرتك هذه من صميم هويتك الإنسانية.
الحرية قيدها العمل، والعمل قيده الحرية، وليس لأحدهما وجود مستقل بذاته، فهناك تحرر العامل. وعمل المتحرر..
والأصل في قيد الحرية هذا أن الطبيعة ضرورة، وكل ما فيها يجري على منهج. ولا سبيل لتسخيره لنا إلا بالعمل…(5)
ولكون هذا المجتمع لا يعمل, لقوله مالا يفعل, فانه يعيش حالة من الانفصام بينه وبيئته لذا نراه يهرب من التفكير بانغماسه في الملذات إلى درجة تكييفه للعادات الوافدة مع عقله الجمعي. وهذا يسلمنا إلى معادلة جديدة أحد طرفيها البطن والفرج والطرف الآخر القلب والعقل وتكون المعادلة على الشكل التالي:
العقل+القلب = البطن+الفرج.
وعليه يتحدد تعقلنا للأشياء حسب تفعيل طرفي المعادلة بالنسبة للطرف الآخر. وتفسير ذالك أن الإنسان فيه غرائز دنيا تشده إلى تحت؟
وخصائص كريمة تدفعه إلى فوق؟ فإذا كانت هذه الخصائص أشد قوة ذهبت بالإنسان صعدا إلى آفاق الحق والخير والجمال. وإذا كانت مساوية لغريمتها ذهب السالب في الموجب وبقى المرء موضعه. وإذا كانت أضعف منها أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فلم تراه إلى مبطلا شريرا دميم الروح. والذي أقصده أن تحصيل الكمال تحتاج إلى معاناة علمية وخلقية…فالكريم لن يكون كريما إلا إذا قهر نوازع الشح. والشجاع لا يكون شجاعا، إلا إذا هزم بواعث الخوف…
إن هذه الصفات تتجسد في أقوالنا وأفعالنا شبابا وشيبا، حكاما ومحكومين، مثقفين وأميين، والسبب عندي الذي جعل كل الدراسات الاجتماعية التي أجريت على مجتمعنا باءت بالفشل هو أنها أغفلت أو تناست هذه القضايا السابقة.
نحن هنا إذ نورد هذه القضايا إنما نبحث عن العلة الكامنة في الذات، فإن نحن نجحنا في معالجتها فإن المشكلة ستزول – تلقائيا- بزوال أسبابها وإن تجاهلناها وعالجنا الظواهر فقط، فستعاودنا بأشكال شتى،كمن يتوجه إلى البعوض بأطنان مبيدات الحشرات، ولا يفطن إلى تجفيف المستنقع الذي يحتضن بيوضها فلا تلبث أن تفقس من جديد، ودليلنا ورائدنا إلى سبر أغوار مجتمعنا هو اجتهاداتنا الشخصية من داخل المجتمع مع مقارنتها بدراسات لمجتمعات أخرى,لنرى مدى مواكبتها للحضارة لانسانبة اليوم.(6)
فهل يبدع فقهاؤنا الحاليين وأخصائيينا الاجتماعيين رؤية إسلامية تستفيد من آخر منجزات المعرفة, وتقف على أرضية شرعية؟؟ …يتواصل….
شاهد أيضاً
د. محمد ولد أحظانا يؤرخ للموسيقى من خلال مصطلحها؛/المرابط ولد محمد لخديم
تُعدّ محاضرة الدكتور محمد ولد أحظانا رئيس نادي الفائزين بجائزة شنقيط حول الموسيقى الحسانية، التي …