الفرق بين دين الفطرة..ودين الفطرة لجان جاك روسو…!!

 وردت الي بعض الايميلات تتسائل عن الفرق بين كتابي, دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية وكتاب,دين الفطرة: لجان جاك روسو ترجمة: الدكتور عبد الله العروي فكان جوابي الآتي:

العنوان الأصلي للكتاب هو عقيدة قس من جبال السافوا

صدر هذا الكتاب لروسو سنة 1761،

    وقد ترجم الدكتور العروي هذا الكتاب ب “دين الفطرة”، وهي ترجمة ربما أفقدت الكتاب لمعناه الأصلي وهي عقيدة قس تحول من لبروتستانتية إلى الكاتوليكية ثم في نهاية حياته الإلحاد متمثلا في (الدهرانية).

  يوضع هذا الكتاب في سياق فلسفة الدين، يقول المترجم الدكتور العروي أن ترجمته لهذا الكتاب وإعطائه هذا الاسم: (دين الفطرة)باعتباره من الكتابات التي تقترب من روح الفكر الإسلامي حسب رأيه..

لكن هل كان المترجم موفقا في ترجمته وطرحه؟

    اخترناكم هذا الرد الموسوم ب:قراءة في كتاب: عقيدة قس من جبال السافوا المترجم ب: (دين الفطرة):

(  هذه قراءة موجزة لمتن روسو “عقيدة جبل السافوا” والذي ترجمه الدكتور العروي ب: “دين الفطرة”، وقد عمدت فيها إلى التركيز على أهم مضامين الكتاب لجمهور القراء، دون تطويل ممل مع الاعتراف أن الاختصار هنا قد يكون مخلا في بعض الأحايين، وهذا من طبيعة القراءة التي عمدت إليها في هذا المقام، وهي إعطاء نبذة عن الكتاب أكثر من مناقشة مضامينه وتفصيلها وربطها بأصولها إلا ما رأيت ضرورة لبيانه أو تفصيل القول فيه…

التعريف بالمؤلف:

هو جان جاك روسو المولود بجنيف سنة 1712، وكانت جنيف وقتها عاصمة المذهب البروتستانتي الكلفيني، لكنه ما لبث أن تحول إلى الكاثوليكية في ريعان شبابه خصوصا بعد انتقاله لإيطاليا عاصمة الكاثوليك ومقر الفاتيكان، ثم التحق بفرنسا حيث عايش عددا من الفلاسفة وتأثر بهم، لكنه وقتها اشتغل بالموسيقى بدل الفلسفة التي اشتغل عليها في مرحلة متأخرة وتميز اشتغاله بانتقاده اللاذع للفلسفة المادية، فأدانه جمع من الفلاسفة كفولتير وغيره. توفي سنة 1778 للميلاد.

نبذة عن الكتاب:

العنوان الأصلي للكتاب هو عقيدة قس من جبال السافوا

وقد صدر هذا الكتاب لروسو سنة 1761، ويصعب فهم هذا الكتاب بمعزل عن كتاب آخر لروسو وهو العقد الاجتماعي.

وقد ترجم العروي هذا الكتاب ب “دين الفطرة”، وهي ترجمة مغايرة للعنوان الأصلي، وتحمل في طياتها حكما معياريا على طبيعة عقيدة القس، وهو ما يدفعنا للتساؤل، هل عقيدة قس جبل السافوا تمثل بحق دين الفطرة؟

هذا ما سنتبينه في خاتمة القراءة..

يوضع هذا الكتاب في سياق فلسفة الدين، وقد حكي العروي سبب ترجمته لهذا الكتاب بأنه من الكتابات التي تقترب من روح الفكر الإسلامي، وهو يحكي قصة قس مر بتجربة وجدانية فريدة، حيث رسم لنفسه عقيدة بسيطة بينة وصادقة لا تعارض فيها بين العقل والقلب وغايتها تحقيق الاطمئنان الفردي والاستقرار المجتمعي..

والكتاب في مجمله عبارة عن عظات موجهة من قس جبل السافوا إلى شاب، مخاطبا إياه ب “ولدي/ولدي العزيز/ الشاب الطيب…

يحثه فيها على تنوير عقول العامة والابتعاد عن شبهات الفلاسفة وأوهام القساوسة، والمحور الرئيس لهذه التوجيهات هو الضمير، حيث انتقد فيها من يقول بعدمية الضمير، بإثبات أن الضمير لا ينفك يطيع أوامر الطبيعة ويعاكس كل قوانين البشر، ثم يحكي حكاية القس مع الحيرة والشك وانتقاده اللاذع لبعض مقررات الكنيسة التي تساعد على هذه الحيرة، بالإضافة إلى نقده للفلاسفة الذين دعوا إلى اتخاذ الشك عقيدة وآثار ذلك على ترسيخ الشقاء الإنساني ليخلص قائلا: “تبين لي أن أولى الأفكار وأعمها هي أبسطها وأقربها إلى العقل” [ص30]، ليستبدل بذلك فلسفة التبسيط بالتعقيد الفلسفي ، والتي تعدت حتى تفسيره لبعض الأمور من صميم الميتافيزيقا، ليدخل بعد ذلك في تحليل جدلية الحركة والمادة منتقدا بذلك مقالات الفلاسفة الماديين، لينتهي إلى الإيمان بوجود إرادة قارة وحكيمة تسير الكون، بدل معتقدات الماديين التي تقول إن المادة الجامدة قد أنتجت كائنا ذا حياة وإحساس، لكنه لم يدخل بعدها في جدالات حول ماهية الرب، مقرا أن “أكبر استخفاف بالرب ليس الغفلة عنه بل التفكير فيه بما لا يليق”. ص: 48

  لذلك فبدل التفكير في ماهية الرب، فكر في ماهية الإنسان، مظهرا أنه كلما اجتهد لفحص جوهر اللامتناهي، أي الرب، زاده غموضا وعجز عن تصوره، فاكتفى بالإقرار بوجوده، وقد خلص في تأمله لماهية الإنسان المخلوق إلى أن الروح جزء من ماهية الإنسان، ليرجع بذلك إلى تأكيد مقالة الضمير وأثرها على تعزيز الأخلاق، وأي نفي للضمير فهو نفي للأخلاق، كما أكد روسو أن الفعل الإنساني مرتبط بالمشيئة الإنسانية فهو كائن حر، ولا يعني ذلك أن أفعاله التي فعلها وفق مبدأ الحرية تدخل في النظام الذي اختاره الخالق بتدبيره وحكمته، فلا يجب إضافته إليه، ونفهم من ذلك أن الشر مرتبط بالمشيئة الإنسانية لا الإلهية، لأن منع الشر لا يتم إلا بنفي حرية البشر وهو شر أكبر في قيمة الإنسان الذي أوجده الرب لا ليفعل الشر بل ليقبل على الخير مختارا، كما يقول جان جاك على لسان قس جبل السافوا. ومن ثَم ربط أصل الشر بالإنسان لا الإله لأنه فاعله عن اختيار.

     بعد هذا التأمل في الإنسان انتقل إلى النظر في الحياة الآخرة وعلاقتها بالنفس الإنسانية متسائلا: هل النفس بطبعها باقية لا تفنى؟ ليجيب بأن الروح باقية لا تفنى..

     ونلحظ أن روسو يؤسس لاستدلال مبني على الضمير لا العقل، لأن من عوارض العقل، كما يقول، التمويه فيخدع الإنسان بدل أن يرشده، أما الضمير فلا يخدع أبدا، على حد تعبيره، فأقر أنه يستشير قلبه في كل نازلة وهو يحدد الخير من الشر، فيسمع صوت الضمير ليحدد له، والضمير هو صوت الروح والشهوة، هو مبدأ يولد مع الإنسان ويوجد في سر النفوس، وعلى ضوئه يحكم الفرد، ولو صدم ميوله الشخصية، هو غريزة ربانية وصوت علوي لا يخفت، وبه يميز الإنسان الخير من الشر، ولولاه لما أحس بأي تفوق على الحيوان، هكذا يعرف روسو الضمير في عظات متفرقة….

    وقد رفع روسو مرتبة الضمير حتى ألغى كل الوساطات بين الإنسان والإله، حتى الأنبياء، مما جعله ينكر منزلة النبوة، معتبرا أن دخول الوساطة في علاقة الإله بالإنسان هو السبب في تكثير الأديان وكذا تكثير الكتب ويقصد بذلك الكتب السماوية).

لذلك نجد له موقفا سلبيا تجاه الوحي، وهو منسجم مع موقفه تجاه العقل، لذلك قال:

    فيما يتعلق بالوحي، لو كنت أرجح عقلا وأغزر علما لربما شعرت بصحته وبنفعه لمن سعد وآمن به

أما أنا فإني أرى من جهة أدلة مقنعة على صحته ومن جهة ثانية إشكالات متناقضة لا أستطيع ردها

وفي الأخير يقدم جملة توجيهات روحية وتربوية وأخلاقية منها التركيز على الصدق مع النفس والإخلاص والتواضع وقول الحق وفعل الخير والابتعاد عن التعصب..

    ومع ذلك لا نجد لروسو موقفا سلبيا تجاه الأديان الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام…

إلا أنه قدم انتقادات لاذعة لفكرة الدين من حيث الأصل، وهو في ذلك يبتعد عن العلمية في التعامل مع الدين إلى التركيز على العرفانية المطلقة في التعامل مع الإله، ويظهر بجلاء تهافت هذا النظر في نقد الدين واختزاله في بوتقة ضيقة، فيعزل الدين عن أسسه وثوابته ليؤسس بذلك “دينا” جديدا، ركنه الأساس هو الضمير من غير وحي ولا نبي…

وما أبعد هذا الدين الجديد عن مقتضيات “دين الفطرة” المبني على الوحي الإلهي من غير إنكار على الإله لاصطفائه أحدا من البشر، بل الوحي ترشيد لمسار التدين الإنساني، لا تضييقا له، كما جاء في الكتاب، وتعميقا للفطرة والضمير الإنساني لا إلغاء لهما. ومن ثَم، فإن كل دين يتبرأ من الوحي فهو يبتعد عن الفطرة..

    ومن هنا أعيد التساؤل، هل عقيدة قس جبل السافوا هي دين الفطرة كما ترجم الدكتور عبد الله العروي؟

هذا تقييم الدكتور العروي للعقيدة التي عرضها روسو على لسان قس جبل السافوا، إلا أنه من المؤكد أن من مقررات دين الفطرة بعض ما قيل من الكتاب بخصوص الضمير الحي والفاعل، لكن النظرة الشمولية لدين الفطرة تقتضي الإيمان بالوحي أساسا للحفاظ على مقتضيات الفطرة، وكليات الأخلاق، ولوازم الضمير..)(1 )

      أما كتاب, دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية :تأليف : المرابط ولد محمد لخديم و,تصدير الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند,ومن تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية,الطبعة الأولى الأكادمية الهندية بدلهي سنة 2010م الطبعة الثانية:دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م.

   فمضمونه يتفق مع هذا الطرح حيث يأخذ على المترجم الدكتور عبد الله العروي ترجمة كتاب دين الفطرة من عنوانه الاصلي “عقيدة قس من جبال السافوا” الى (دين الفطرة) الذي يعتمد  ثوابت: الوحي والنبوة..

 عكس ماجاء في كتاب روسو الذي ينتقد الدين ويختزله في بوتقة ضيقة، بعزله عن أسسه وثوابته مؤسسا  بذلك “دينا” جديدا، ركنه الأساس هو الضمير؟

صحيح أن من مقررات دين الفطرة بعض ما قيل في الكتاب بخصوص الضمير الحي والفاعل

لكن النظرة الشمولية لدين الفطرة تقتضي الإيمان بالوحي أساسا للحفاظ على مقتضيات الفطرة، وكليات الأخلاق، ولوازم الضمير…

وقد تعرضت للرد على مثل هذه الأفكار والكتابات التي تمتلئ بها وللأسف رفوف المكتبات العربية والإسلامية في بحوث سابقة تحت عناوين مختلفة مثل :الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع… وعقيدتي من التقليد إلى التسليم..والرد على القائلين بأن القرآن كلام بشر؟

وقد وضعت هذه البحوث كلها في كتابي دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية الذي ينطلق من ثوابت الدين:الوحي والنبوة…

  وسنقتصر في هذه المداخلة على أن ترجمة  كتاب دين الفطرة لجان جاك روسو لا تمت لدين الفطرة بصلة فقد وجدت في الصفحة:36 _37

   : إن الخطأ الذي وقع فيه الكثير من الكتاب والباحثين هو أنهم يتناولون الدين على انه )

)Objective problème ) ( مشكلة موضوعية)

  فهم يجمعون في سلة واحدة كل ما أطلق عليه اسم “دين” في أي مرحلة من التاريخ ثم يتأملون في ضوء هذا المحصول حقيقة الدين..

  إن موقفهم ينحرف من أول مرحلة، فيبدوا لهم الدين جراء هذا الموقف الفاسد ـ عملا اجتماعيا، لا كشفا لحقيقة، ومن المعلوم أن لكل ما يكشف عن حقيقة من الحقائق مثلا أعلى، ولا بد عند البحث عن هذه الحقائق أن ندرس مظاهرها وتاريخها في ضوء مثله الأعلى. أما الأمور التي تأتي بها أعمال اجتماعية فليس لها مثلا أعلى، وبقاؤها رهن بحاجة المجتمع إليها…

والدين يختلف عن ذلك كل الاختلاف، فليس من الممكن البحث عن حقائقه، كما يبحث عن تطورات فنون العمارة والنسيج والحياكة والسيارات، لان الدين علم على حقيقة يقبلها المجتمع أو يرفضها أو يقبلها في شكل ناقص))

ويبقى الدين في جميع هذه الأحوال حقيقة واحدة في ذاتها، وإنما يختلف في أشكاله المقبولة، ولهذا لا يمكن أن نفهم حقائق الدين بمجرد فهرسة مماثلة لجميع الأشكال الموجودة باسم (الدين). وهذا رد في نفس الوقت على أولئك الذين يستدلون بالتاريخ وعلم الاجتماع لطعن في الدين..

ولعل ما ذهب إليه عالم الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية الدكتور(لتراوسكارلندرج) وغيره يكشف جانبا من هذه الأخطاء العقدية حيث يقول:

أما المنشغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعة كبرى يحصلون عليها، كلما وصلوا إلى كشف جديد في ميدان من الميادين، إذ أن كل كشف جديد يدعم إيمانهم بالله، ويزيد من .«إدراكهم وإبصارهم لأيادي الله في هذا الكون” »

ويرجع (لتراوسكارلندرج) إعراض بعض العلماء علية المبادئ عن الإيمان بالله رغم وضوح الأدلة التي تقود إليها الأبحاث في كل مجالات العلم إلى أسباب لا صلة لها بالبحث العلمي وخص منها:

 1ـ ما تتبعه بعض الجماعات أو المنظمات الإلحادية، أو الدولة من سياسة معينة ترمي إلى شيوع الإلحاد، ومحاربة الإيمان  بسبب تعارض عقيدة الإيمان بالله مع صالح هذه الجماعة ومبادئها.

2 ـ المعتقدات الفاسدة التي تجعل الناس منذ الطفولة يعتقدون باله على صورة الإنسان بدلا من الاعتقاد بان الإنسان قد خلق خليفة الله على الأرض، وعندما تنمو العقول بعد ذلك وتتدرب على استخدام الطريقة العلمية فإن تلك الصورة التي تعلموها منذ الصغر لا يمكن أن تنسجم مع أسلوبهم في التفكير أو مع أي منطق معقول».).(2).

وهذا مايمكن ملاحظته من خلال سيرة  جان جاك روسو وتحوله من لبروتستانتية إلى الكاتوليكية ثم نقده للفلسفة واشتغاله بالموسيقى…الخ

      وأنا أرى شخصيا أن المؤلف جان جاك روسو وغيره من المفكرين الغربيين لو أنهم قرؤوا القرآن الكريم أو ترجماته المحكمة لكان لهم رأي آخر وهو ما يبحثون عنه من خلال تساؤلاتهم المتكررة؟‼

المؤلف: المرابط ولد محمد لخديم

الهوامش:

   1_  عن موقع يقظة فكر, عمود المرصد الفكري (بتصرف بسيط) ,

  2_دين الفطرة استنطاق الرياضيات و الفيزياء بلغة انسانية: الرابط:

https://www.jarir.com/arabic-books-503810.html

شاهد أيضاً

د. محمد ولد أحظانا يؤرخ للموسيقى من خلال مصطلحها؛/المرابط ولد محمد لخديم

تُعدّ محاضرة الدكتور محمد ولد أحظانا رئيس نادي الفائزين بجائزة شنقيط حول الموسيقى الحسانية، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *