كان الثنائي العلامة عدود والشيخ حمدا يتمتعان بأسلوب تربوي يفهمه أهل لخيام فبرغم علمهما الغزير والنوعي لم يمنعهما من تناول مواضيع الساعة ليتسلى المشاهد ويستفيد من العلم الغزير الذي يقدمانه في السهرة الرمضانية؛
صحيح أنني لست أديبا ولاشاعرا ولاناقدا وانما متطفلا على مواضيع ليست من اختصاصي واعذروني اذا حدث خطأ او تصويب في غير محله…
الحلقة اليوم عن الجراديات؛
والمناسبة معروفة في بحر تسعينات القرن الماضي عندما اجتاح الجراد موريتانيا..!!
استهل الشيخ حمدا كعادته المساجالة من أبيات لاعرابي من بني حنيفة بقوله:
مر الجراد على حقلي فقلت له * لا تأكلن ولا تهم بإفساد
فقام منه خطيب فوق سنبلة * إنا على سفر لابد من زادي
فقال له عدودو فى الليلة الموالية:
ومر أيضا بمرعانا فقلت له * ماذا أما لك مرعا غير مرتادي
فقال مالي مرعا غير تربتكم * فأكرموا نزل هذا لرائح الغادي
وانهوا بواديكم عني فشأنهم * يضاعف من شنئي وأحقادي
وانهوا شوديكم عني فهن إذا * يشدون يكثرن من حثوي وتردادي
وكيف يبلين أجوازي وأجنحتي * لبسا ولا اطلب التعويض في النادي
وانهوشبابكم عن شرب مشبه ما * أمجه تشهدوا صرفي لأجنادي
فأجابه الشيخ حمدا:
أنا الجراد بأجدادي وأحفادي* وقد بعثت إلى الميدان أجنادي
عدود يشهد صولاتي يسجلها * بشعره المطرب الورقاء في النادي.
ما لي جوائز أهديها لحضرته * إلا زيارة ذاك البيت والنادي
لكي أفوز بدرس من معارفه * به نغنى بإشعار وإنشادي
وسوف يرجع مرعاكم لخضرته * بين الحواضر في عز وأمجاد.
فقال الشيخ عدود رحمه الله:
أودى الجراد بإنشائي وإنشادي * وغال ذهني بإنفاذ و إنفاد
من لي بكوكبة في الشعر تسعفني * ما احتجت قط لإسعاف وإسعادي……..يتواصل…..
رحم الله الشيخين الجليلين عدود وحمدا، فقد كانا منارة علم وحكمة، وجمعا بين الفقه والأدب بروح طريفة وفكاهة راقية يفهمها أهل لخيام والحاضرة على حد سواء.
هذه المساجلات التي تعكس قدرة العلماء على توظيف الأدب والشعر في معالجة قضايا الحياة اليومية، بل حتى في التعامل مع الكوارث الطبيعية بروح إبداعية لا تخلو من السخرية اللطيفة والحكمة العميقة!.
اجتياح الجراد كان حدثًا مؤلمًا، لكن الشيخين استطاعا أن يحوّلاه إلى مادة أدبية ممتعة تُحفظ في الذاكرة الشعبية.
ومن خلال هذه الأبيات، نرى كيف تمتزج الفصاحة بالبساطة، فيجذب كلامهما القلوب قبل العقول.
هذا النوع من المساجلات لا يخلو من فائدة لغوية وأدبية، كما أنه يعكس روح العلماء الذين لم تمنعهم جديتهم من المشاركة في الترفيه الهادف.
إن ما كان يميّز السهرة الرمضانية في ذلك الزمن هو أنها كانت مزيجًا من العلم والمرح، حيث يتم تناول القضايا بأسلوب بسيط لكنه عميق.
واليوم نفتقد هذه الروح في كثير من البرامج، حيث باتت السهرات تفتقر إلى تلك العفوية الذكية التي تعلّم وتسلّي في آن واحد.