تناولنا في المقال السابق الموسوم ب: رحلة العقل إلى خالقه: من الفطرة إلى المجرة… ومن المجرة إلى السجود!
https://elalem.info/article19843.html
رحلة الإنسان نحو الإيمان بخالقه، انطلاقًا من الفطرة والعقل السليم، مرورًا بالتأمل في الكون، وانتهاءً بالسجود لله.
وأن الفطرة تشير إلى وجود خالق، العقل حين يتحرر من الأهواء يرى في الكون نظامًا محكمًا يدل على خالق حكيم. ومع محدودية العقل، تأتي الحاجة إلى الوحي، فجاء القرآن معجزة خالدة تخاطب الفطرة والعقل.
ثم انتقلنا الصلاة باعتبارها الصلة المباشرة بين الإنسان وربه، ووسيلة السكون واليقين في عالم القلق.
لأن من عرف الله، وعرف القرآن، وفهم الصلاة، سجد بقلبه قبل جسده، واستقامت حياته على نور الهداية.
لكن أي من الديانات على الفطرة؟!
الطواف الكوني: من الإلكترون إلى الكعبة!
انسجام الإنسان مع الكون
الإنسان أحد مفردات هذا الكون، ولكي تنتظم حركته مع حركة الكون، فلا بد أن يدور كما تدور مفرداته…
ذلك الدوران الذي يبدأ من أصغر الأشياء – الذرة – إلى أعظم الأجرام – المجرة – يدور في اتجاه واحد: عكس عقارب الساعة.
ففي الذرة، يدور الإلكترون حول نواتها عكس عقارب الساعة، وفي داخل الخلية الحية، يتحرك البروتوبلازم بنفس الاتجاه.
حتى الجزيئات الحيوية، المكوّنة من عناصر الحياة الأساسية (الكربون، الهيدروجين، الأوكسجين، الكبريت، النيتروجين)، تصطفّ ترتيبًا يساريًا حول الكربون.
الدم داخل جسم الإنسان يجري عكس عقارب الساعة، وكذلك دوران الإلكترونات والنوى، والقمر حول الأرض، والأرض حول الشمس، والكواكب والمجرات…
الكون كله يدور كأنما يطوف!
هل ورد الطواف في العقائد والفلسفات؟
سؤال يستحق التأمل: هل عرفت الديانات والفلسفات القديمة هذا المشهد الكوني العظيم؟
نستعرض بإيجاز طقوس الحج أو الزيارة في أهم المعتقدات:
1. اليهودية
يحجّ الذكور ثلاث مرات سنويًا في أعياد (الفصح، الأسابيع، المظال) إلى هيكل سليمان المزعوم، ويقدمون “صدقة” غير محددة القيمة.
لا يوجد طواف، بل زيارة للمعبد أو “حائط المبكى”.
2. المسيحية
الحج ليس فريضة، لكنه مفضل لمن يرغب في زيارة الأماكن المقدسة مثل القدس أو الفاتيكان، استجابة لرغبة روحية مرتبطة بأثر المسيح، لا بطقس تعبدى إلزامي.
3. الهندوسية
يركز الحج على الاستحمام في نهر الغانج أو مهرجان كومبا ميلا للتطهّر من الذنوب، دون طواف أو وحدة شعائرية منتظمة.
4. البوذية
زيارة رمزية لأربعة مواقع مرتبطة ببوذا، بدأت بعد وفاته، ولا تُعد طقسًا تعبديا مفروضًا.
5. الصابئة
الحج عندهم مراسيم تعميد بالماء (الطمس والصباغة)، وتُعد طقوس تطهير وليس حجًا بالمفهوم الإسلامي.
6. البهائية والبابية
الحج خاص بالرجال إلى بيت وُلد فيه الباب في شيراز، وقد مُنعت النساء من الحج إلا ليلًا، ولا يُجيز الباب الإنابة فيه.
الإسلام والطواف: انسجام مع نظام الوجود
في الإسلام، الحج أحد أركان الدين الخمسة، يبدأ في مكة في الثامن من ذي الحجة، ويتضمن مشاهد إيمانية وجسدية عظيمة:
الإحرام، الوقوف بعرفة، رمي الجمرات… لكن أعظمها هو الطواف.
الطواف سبعة أشواط حول الكعبة، تبدأ وتنتهي بالحجر الأسود، والكعبة دائمًا عن يسارك، أي أنك تدور عكس عقارب الساعة، كأنك جزء من ذرة، أو جرم سماوي في مجرته!
ومن دلائل تفرد الكعبة أن تحية المسجد الحرام تكون بالطواف، لا بالصلاة كباقي المساجد. ذلك لأن الكعبة تمثل مركزًا روحيًا كونيًا، نقطة التقاء الأرض بالسماء، والإنسان بالكون.
مشهد يوم الحشر على الأرض!
إنه مشهد مهيب: ملايين البشر، مختلفي الأعراق واللغات والثقافات، يلبسون لباسًا واحدًا، ويهتفون بنداء واحد:
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك…”
لا ترى بينهم غنيًا أو فقيرًا، حاكمًا أو محكومًا، كلهم سواسية، أيديهم ممدودة إلى السماء في مشهد يمثل يوم القيامة على الأرض.
دعوة الخليل تتحقق كل عام
ما هذا التجمع البشري العجيب إلا تحقيق لدعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام:
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]
الإسلام دين الفطرة… والفلك!
الإسلام هو الدين الوحيد الذي جعل الطواف والدوران الكوني طقسًا تعبديًا، متجذرًا في قلب شعائره.
وهو بذلك ينسجم مع قوانين الفيزياء والفلك، ومع حركة الذرات والنجوم، ومع فطرة الإنسان والكون.
إنه دين يسير مع حركة الوجود، لا يعاكسها…
ودين يجعل الإنسان في مركز الوعي الكوني، متوجهًا نحو الخالق العظيم.
والإسلام الذي جاء به رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم هو ذلك الدين الوارد [في لغة القرءان وهو ليس اسما لدين خاص إنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء، وأتنسب إليه كل أتباع الأنبياء].
هكذا نرى نوحا يقول لقومه:
﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. سورة يونس الآية:72
ويعقوب يوصي بنيه فيقول:
﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. سورة البقرة الآية: 132.
وأبناء يعقوب يجيبون أباهم: ﴿ قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ إِلَٰهًا وَٰحِدًا وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ ﴾. سورة البقرة الآية: 133
وموسى يقول لقومه: ﴿ يَٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴾. سورة يونس الآية:84
والحواريون يقولون للمسيح عيسى ابن مريم: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.سورة آل عمران الآية: 53
بل إن فريقا من أهل الكتاب حين سمعوا القرآن { قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦٓ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِۦ مُسْلِمِينَ﴾. سورة القصص: 53.
نرى القرآن يجمع هذه القضايا كلها في قضية واحدة يوجهها إلى محمد صلى الله عليه وسلم ويبين لهم فيها انه لم يشرع لهم دينا جديدا وإنما هو دين الأنبياء من قبلهم.
قال تعالى ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ ۚ﴾. سورة الشورى الآية:13.
ثم ينظم القرآن الأنبياء في سلك واحد ويجعل منهم جميعا أمة واحدة، لها إله واحد، كما لها شريعة واحدة قال تعالى﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾. سورة الأنبياء الآية: 92
إن هذا الدين المشترك الذي اسمه الإسلام، هو دين كل الأنبياء والمرسلين, وإن الذي يقرأ القرآن يعرف كنه هذا الدين..
إنه هو التوجه إلى الله رب العالمين في خضوع خالص لا يشوبه شرك، وإيمان واثق مطمئن بكل ما جاء من عنده على أي لسان وفي أي زمان أو مكان دون تمرد على حكمه، ودون تمييز شخصي أو طائفي، أو عنصري، بين كتاب وكتاب من كتبه، أو بين رسول ورسول من رسله، هكذا يقول القرآن: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾. سورة البينة الآية:5.
الهوامش:
الموسوعة الحرة.
(1) مدونة د. أميمة خفاجي (بالتصرف)
( 2) اسلام اون لاين.(بالتصرف).
(3): دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية,المرابط ولد محمد لخديم,تصدير الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند,تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية,الطبعة الأولى الأكادمية الهندية بدلهي سنة 2010م الطبعة الثانية:دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م.
الحمد لله على نعمة الإسلام، فهي أعظم النعم، بها نعرف الغاية من وجودنا، ونهتدي لطريق الحق، ونتعلم عبادة الله كما يحب.
نسأل الله الثبات على الإسلام وحسن الخاتمة.