التاريخ الهجري: حين يُهمَل تاريخ الأمة!!/المرابط ولد محمد لخديم

    يمرّ العام الهجري علينا عامًا بعد عام، دون أن نشعر به، وكأنه يوم عابر لا يحمل من الخصوصية شيئًا، في مفارقة مؤسفة لشعب مسلم يفترض أن يرتبط وجدانه بتاريخ هجرته وميلاد أمته.
     بينما نرى – للأسف – مظاهر الاحتفال برأس السنة الميلادية تتكرر قبل حلولها بأيام؛ ضجيجًا في الأسواق، وازدحامًا في الشوارع، وترويجًا في وسائل الإعلام، حتى كأنها لحظة ولادة لهويتنا، لا لغيرنا.

    ارتباط غائب وهُوية في مهبّ النسيان
لقد أصبح اعتماد التقويم الميلادي وحده، رغم كونه تقويمًا دينيًا يخص ديانة أخرى، مؤشرًا خطيرًا على تراجع حضور الهوية الإسلامية في وعينا الجمعي.
ولا تزال العديد من الدول العربية والإسلامية تُمارس الجمع بين التقويمين الميلادي والهجري، كما كان الحال في موريتانيا خلال ثمانينيات القرن الماضي، حين كان التاريخ الهجري حاضرًا في المدارس، والإدارات، وحتى الصحف والوثائق الرسمية.

  دعوة لإحياء الذاكرة المؤسسية
وفي هذا السياق، نثمّن تغريدة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بمناسبة حلول السنة الهجرية الجديدة، ونرى فيها بادرة طيبة، نأمل أن تتعزز بمبادرات عملية، أهمها إعادة إدماج التاريخ الهجري في البرامج التعليمية، والتعاملات الإدارية، والمناسبات الوطنية، ليظل حيًا في الوجدان الشعبي، وراسخًا في أذهان الأجيال.

   فالهجرة ليست مجرد تاريخ، بل حدث تأسيسي شكّل بداية حضارية لأمة الإسلام، ومسارًا لبناء الهوية، واستلهامًا لقيم الإيمان والصبر والتضحية.

الهجرة النبوية: مسار التأسيس العظيم
استغرقت رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة ثمانية أيام، قطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وسط ظروف قاسية ومخاطر محدقة.
بدأت الرحلة من غار ثور، مرورًا بالطرق الصحراوية الجرداء، حيث تبرز قصة أم معبد وشاتها الهزيلة كمشهد معبّر عن واقع تلك المرحلة بكل تجلياتها
    قطع النبي صلى الله عليه وسلم مسافة تُقدّر بحوالي 380 كيلومترًا، بدءًا من الأول من ربيع الأول للعام الأول للهجرة (622م)، ووصل إلى المدينة في اليوم الثامن من الشهر نفسه. وهناك، كانت أولى لبنات الدولة الإسلامية، بدءًا ببناء مسجد قباء، أول مسجد في الإسلام، الذي كان منطلقًا لرسالة التوحيد إلى آفاق العالم.

من أربعة أنفس إلى أكثر من مليارين!
من أربعة أفراد آمنوا به في مكة، أصبح الإسلام اليوم – في فاتح محرم 1447 هـ الموافق 19 يوليو 2023م – الدين الأسرع انتشارًا في العالم.
فقد تجاوز عدد المسلمين عالميًا 2.6 مليار نسمة، بحسب تقرير صادر عن مركز “بيو” الأميركي للأبحاث بتاريخ 3 أبريل 2023م (الموافق 12 رمضان 1444هـ)، والذي توقع أن يُصبح الإسلام الديانة الأولى في العالم من حيث عدد الأتباع خلال العقود المقبلة رغم ضعف الدول الاسلامية!!
https://arabic.cnn.com/world/2017/03/16/islam-fastest-growing-religion

ماذا قدمنا لهذا الإرث العظيم؟
   لقد بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمّة، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
ولكن، هل وفّينا هذه الرسالة حقها؟ أم أننا قابلنا الوفاء بالتفريط، والإرث بالإهمال، والتاريخ بالنسيان؟

التاريخ الهجري: ليس ترفًا بل ضرورة
إن إحياء التاريخ الهجري في الذاكرة الشعبية والمؤسسية ليس ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة حضارية وشرعية.
هو استعادة لهويتنا، وربط لأبنائنا بجذورهم، ووقوف في وجه التحديات التي تتعرض لها أمتنا، دينًا وتاريخًا وقيَمًا.
فلتعد هيبة التاريخ الهجري إلى المدارس، والجامعات، والمناسبات الرسمية، ولنربط أبناءنا به كما نربطهم بالمناسبات الأخرى.
   فهو البداية الحقيقية لمسيرة الأمة، وبوابة لفهم تاريخها ووعي حاضرها واستشراف مستقبلها.

كل عام وأنتم بخير بمناسبة السنة الهجرية الجديدة 1447هـ.
نسأل الله أن يجعلها سنة خير ونصر لإخواننا في غزة، وعزّة للإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

الهوامش:

مركز بيو للأبحاث – الإسلام الديانة الأسرع نموًا في العالم – CNN Arabic

خريطة الهجرة النبوية – الأزهر الشريف.

شاهد أيضاً

رئيس منتدى الفائزين بجائزة شنقيط يكتب: شكر وتقدير

ليس من طبعي الكتابة عن الشخصيات العامة، لكن معالي الوزير الدكتور الحسين ولد امدو يستحق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *