إذ تعد مقولة الإنسان كائن اقتصادي (Homo Economicus) مرتكزا نظريا أساسيا للنمط الثقافي الحداثي بدءا من لحظة استوائه في نمط الاجتماع الرأسمالي.
فهذه المقولة ليست مجرد محدد نظري لمفهوم الإنسان من حيث بعده الاقتصادي المادي، ولا هي مجرد مبدأ لتأسيس النظرية الاقتصادية الرأسمالية، بل إن تلك المقولة هي نقطة الانطلاق لبناء رؤية فلسفية عامة تتعلق بنوع النظرة إلى ماهية الكينونة الإنسانية ككل، وهي تعبير عن قلب دلالي جذري للمقولة القديمة المحددة للإنسان بوصفه كائنا عاقلا تتحدد ماهيته في التفكير (Homo Sapiens).
كما أنها في أبعادها الغائية تنتهي إلى توكيد نمط الرؤية المادية للإنسان، رؤية أصبحت في النسق الثقافي الحداثي ومنظومته المجتمعية تعبيرا عن أسلوب في العيش وأسلوب في التفكير على حد السواء. بل يحفز أن نقول: إنها ما تجسدت كنمط عيش إلا لأنها نمط تفكير ابتداء.
وتتحكم هذه الرؤية في المنظور الثقافي الغربي، رغم تعدد واختلاف توجهاته الفلسفية، حيث استحالت إلى أنموذج نظري شارط لعملية إدراك الوجود الإنساني وتحديدا احتياجاته، ولذلك فهي تتمظهر في مختلف نتاجات الوعي الأوربي فَنّاً كان هذا النتاج أو فلسفة أو معمارا بنائيا، هذا فضلا عن التمظهر في القيم الناظمة للسلوك الاقتصادي ويرى الكاتب أن لهذا المنظور الاقتصادي المادي في تحديد الإنسان جذورا في الخلفية الثقافية الغربية، وليس مرتبطا فقط بظهور نمط المجتمع الصناعي وما رافقه وطرأ له من رؤى فلسفية ليبرالية.
مستدلا على ذلك أنه رغم التناقض الظاهري بين المشروع الليبرالي الرأسمالي والمشروع الاشتراكي الماركسي، فإن أساسها مشترك ومتماثل، وهو هذا النمط المحدد للنظرة إلى الكائن الإنساني بوصفه “حيوانا اقتصاديا” !
وهذا ما جعله يعد أحد مكونات الشبكة الإدراكية المحددة لرؤية الوعي الغربي إلى ذاته وإلى الوجود من حوله، لأنه يراها شبكة ماثلة في مختلف نظمه وأنساقه الثقافية على اختلافها.
وحاول الباحث في جانب من فكره اول الباحث في جانب من فكره ودراسته أن يذكر الكتاب القيم لعبد الوهاب المسيرى الموسوم: ب: (الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان) لإيضاح التفكير المادي الغربي لكينونة الإنسان. متحدثا عن القراءة النقدية التي اتخذتها مدرسة فرانكفورت لـ “العقل الأدائي” الباحثة عن جذوره في الخلفية الأسطورية والفلسفة الهلينية موضحا أن هذه القراءة ما هي إلا توكيدا لما سبق، وإشارة إلى أمر أعمق مما وقفت عنده هذه المدرسة
السوسيولوجية ذاتها. فنمط العقل الأدائي هو مظهر للرؤية إلى الكائن الإنساني بوصفه كائنا ماديا.
مستخلصا أنه و بناءا على هذه الرؤية ينطلق العقل الغربي إلى قراءة مادية للذات والوجود، قراءة لا تنظر إلى الغايات بل تحول كل كينونة ـ حتى كينونة الإنسان ذاتها ـ إلى أشياء أدوات استعمالية.
وتأسيسا على هذا الكلام فإن نمط تفكير الحضارة …يتواصل….