الحرب الروسية الاوكرانية بين العقل والعاطفة!!/المرابط ولد محمد لخديم

   

الحرب الروسية الأوكرانية بين العقل والعاطفة!!
ان تاريخ الغرب_ منذ أن أصبح هذا المفهوم مفهوما سياسيا استراتجيا يكشف عن حقيقة أساس قوامها: مواقف متغيرة وثابت لا يتغير: إن موقف الغرب من العرب أو من الإسلام أو من الصين أومن أية دولة أخرى في العالم, موقف يتغير دائما, وقد يقفز من النقيض إلى النقيض إذا اقتضى الأمر ذاك,أما الثابت الذي يحكم تحركات الغرب وتغير مواقفه فهو(المصالح) ,ولاشيء غير المصالح فعندما تمس مصالح الغرب أو يكون هناك ما يهددها, تتغير المواقف في الحين….
وهكذا,فان الأمر الذي جعل الانجليز والغرب عموما يحاربون مشروع(وحدة عربية),مهما كان شكلها, بعد سنة 1956م, هو خوفهم من أن يطال التحرير والتأميم الأرض العربية وثرواتها باسم القومية العربية…
وما جعل الأمريكان والغرب عموما ينقلبون على الإسلام مثلا, الذي كانوا يغازلونه, هو قيام بعض الحكومات التي تحكم باسمه وعلى رأسها المملكة العربية السعودية على عهد الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز, بقطع النفط عن الغرب نتيجة انحيازه إلى جانب إسرائيل في حرب 1973 وما تلا ذالك من استعادة الثورة الإيرانية, التي قامت باسم الإسلام, ..حق إيران في امتلاك بترولها.
وهو الحق الذي حاول الدكتور مصدق في أوائل الخمسينات استرجاعه,فأطاح به الغرب بواسطة (الشاه), وبتحالف مع زعيم الاتجاه الإسلامي فيها آنذاك آية لله القشانى..!!
وشأن الغرب مع روسيا او العرب أوالإسلام شأنه مع الصين وغيرها من البلدان فكانت الصين تشكل العدو رقم1 للغرب يوم كانت سياستها تابعة أو منسجمة مع سياسة الاتحاد السوفياتى…
وعندما حصلت القطيعة بين بكين وموسكو,تغير موقف الغرب منها, فاعترفت بها الولايات المتحدة ضاربة عرض الحائط صنيعتها التي كانت تحمل اسم (الصين الوطنية), وتحتل مقعدا دائما في مجلس الأمن, المقعد الذي تحول منذ ذالك إلى الصين الشعبية, وعندما انهار الاتحاد السوفياتي ,عادت الصين لتكون العدو و(الخطر الأصفر), والسبب هو امتلاكها للقنبلة الذرية وسلوكها سياسة مستقلة ودخولها في مرحلة الإقلاع الإقتصادى الذي قد يجعل منها منافسا حقيقيا لمصالح الغرب الاقتصادية في شرق آسيا..
إذا يتبين لنا مما سبق أن الغرب مصالح ولاشيء غير المصالح , وكل حوار معه أو تفكير ضده لا ينطلق من هذه الحقيقة, إنما هو انزلاق وسقوط في شباك الخطاب المغالطى التمويهي السائد في الغرب والهادف إلى صرف الأنظار عن (المصالح) وتوجيهها إلى الانشغال بما يخفيها ويقوم مقامها في تعبئة الرأي العام مثل: الحريات,والثقافة, والديمقراطية…
وتأسيسا على هذا الكلام قد تخطئ اوكرانيا ورئيسها زيلسنكي في كون الغرب يدافع عنه وحقيقة الغرب انما يدافع عن مصالحه الخاصة وليس في عجلة من امره لأن الساحة الاوكرانية اصبحت ساحة لاستعراض الاسلحة وليست هتاك تجارة رابحة في الوقت الحالي اربح من تجارة السلاح…!!
كشفت هذه الحرب الكثير من خفايا الغرب فروسيا عرت امريكا وحشرتها في الزاوية بدليل أن واشنطن تخلق تصورا بأن روسيا تشكل تهديدا لأمن أوروبا بمحاولتها لاظهار الرئيس الروسي بوتين على أنه معتد متعطش للدماء مزاجي الطباع لا يمكن الوثوق به…
  وتحقيقا لهذه الغاية، طلبت من وسائل الإعلام أن تكرر مرارا وتكرارا: ” روسيا تخطط لغزو أوكرانيا”…بل الأسوء من ذالك:
بوتين السيئ” الذي جمع حوالي 100000 جندي على طول الحدود الأوكرانية، مهددا بإغراق أوروبا بأكملها في حرب دموية أخرى…)
  حظيت هذه الحرب باهتمام عالمي حتى من القنوات العربية وهو مالم يشاهد في اي حرب سابقة!!
ومع ذلك، فإن الهدف الحقيقي ليس روسيا، بل ألمانيا كما يقول: مايكل هدسون مضيفا أن “السبيل الوحيد المتبقي للدبلوماسيين الأمريكيين لمنع المشتريات الأوروبية هو تحريض روسيا على
الرد العسكري ثم الادعاء بأن الانتقام من هذا الرد يفوق كل الاهتمام.”
   ويشاطره الرأي الباحث مايك ويتني حيث يقول ( الأزمة الحالية لا تتعلق بأوكرانيا.بل العلاقة بين ألمانيا وروسيا، لأنهما متحدون هناك، القوة الوحيدة التي يمكن أن تهددنا.” ولنتأكد من عدم حدوث ذلك.
   يقول جورج فريدمان، الرئيس التنفيذي لشركة ستراتفور في مجلس شيكاغو للشؤون الخارجية.
الأزمة الأوكرانية لا علاقة لها بأوكرانيا. هذه هي ألمانيا،) وعلى وجه الخصوص، خط أنابيب يربط ألمانيا بروسيا يسمى نورد ستريم 2.).!!
    ان امريكا تعتبر خط الأنابيب هذا تهديدا لسيادتها في أوروبا و حاولت تخريب المشروع في كل منعطف. ومع ذلك، تقدمت نورد ستريم وهي الآن تعمل بكامل طاقتها وجاهزة للاستخدام. بمجرد أن يقدم المنظمون الألمان الشهادة النهائية، ستبدأ عمليات تسليم الغاز.)
     في عالم تكون فيه ألمانيا وروسيا صديقتين وشريكتين تجاريتين، ليست هناك حاجة إلى قواعد عسكرية أمريكية، ولا حاجة إلى أسلحة وأنظمة صواريخ باهظة الثمن مصنعة في الولايات المتحدة، ولا حاجة لحلف شمال الأطلسي.
كما أنه ليس من الضروري تداول معاملات الطاقة بالدولار الأمريكي أو تخزين أذون الخزانة الأمريكية لموازنة الحسابات. يمكن إجراء المعاملات بين الشركاء التجاريين بعملتهم الخاصة، مما سيؤدي حتما إلى انخفاض حاد في قيمة الدولار وتغيير جذري في القوة الاقتصادية.
   لهذا السبب تعارض إدارة بايدن (نورد ستريم). إنه ليس مجرد خط أنابيب، بل هو نافذة على المستقبل؛ مستقبل تقترب فيه أوروبا وآسيا من بعضهما البعض في منطقة تجارة حرة ضخمة تزيد من قوتهما المتبادلة وازدهارهما بينما تترك الولايات المتحدة في الخارج.
   تشير العلاقات الأكثر دفئا بين ألمانيا وروسيا إلى نهاية النظام العالمي “الأحادي القطب”، الذي أشرفت عليه الولايات المتحدة على مدى السنوات ال 75 الماضية.
يهدد التحالف الألماني الروسي بتسريع تراجع القوة العظمى التي تقترب حاليا من الهاوية.
  هذا هو السبب في أن واشنطن مصممة على بذل كل جهد ممكن لتخريب نورد ستريم وإبقاء ألمانيا في مدارها. إنها مسألة بقاء.
أوكرانيا هي “السلاح المفضل” لواشنطن لنسف نورد ستريم ووضع زاوية بين ألمانيا وروسيا.).
وهذا ليس غريبا على امريكا فقد غزت ودمرت وأطاحت بأنظمة في أكثر من 50 دولة:
في العراق، وأفغانستان، وفلسطين، والصومال،. وسوريا.. وليبيا. الخ
وتحتفظ بأكثر من 800 قاعدة عسكرية في بلدان حول العالم.ومع هذا لا تراه تعد على الآخر؟!
روسيا التي تحافظ على أمنها القومي مهما كلفها ذالك!! فضحت الغرب أمام العالم الذي أصبح قرية صغيرة ظهر ذالك في معاملتهم مع النازحيين غير الاوروبيين مما يثبت زيف ديموقراطيتهم وعالمهم الحر على حد قول الشاعر:
ثوب الرياء يشف عماتحته
              فاذا التحفت به فانك عاري
العقوبات الغير مسبوقة التي فرضها الغرب على روسيا انما يفرضها بطريقة غير مباشرة على نفسه واذا كانت أمريكا وابريطانيا وفرنسا متحمسون لهذه العقوبات فذالك لأنهم اخف ضررا من نظراءهم: المانيا وبلغاريا والمجر مثلا…
أما امريكا فهي بعيدة عن العقوبات ولايمكن الاعتماد عليها بل ربما تكون لها مصلحة في الحرب كما تقدم آنفا…
ولكن الغرب قد يواجه مشاكل بدأت تتكشف نتيجة لهذه العقوبات فلأول مرة في فرنسا يحقق حزب اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان قفزة غير مسبوقة على حساب حزب ماكرون الذي كان يسعى الى الفوز بالاغلبية!!
وفي ابريطانيا استقال رئيس حزب بوريس جونسون الحاكم..وهكذا..
في كل اجتماع لدول السبع او للناتوا تتجه انظار الشعوب الى هذه القمة لكي تجد تطمينات لاسعار الطاقة المتصاعدة وغلاء المعاش ولكنها تفاجأت في قمة بافاريا بألمانيا اليوم الاحد الموافق 26 يونيو2022م حيث رأت هؤلاء القادة المعول عليهم كثيرا وهم ينكتون على فلاديمير بوتين و يستدعون صورة أخذت منه سنة 2009م للسخرية.!!
وتندروا بالسؤال عما إذا كان عليهم أن يكتفوا بارتداء القمصان أو ربما ما هو أقل.
وسأل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: ”هل نبقي السترات؟ هل نخلعها؟“
وناقش قادة بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تلك المعضلة. في الحوار التالي:
   واقترح رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ان ينتظروا الصورة الرسمية قبل أن ينزعوا ملابسهم)
جونسون رئيس وزراء ابريطانيا ساخرا: ”علينا أن نظهر أننا أقوى من بوتين“.
ليرد ترودو: ”سنحصل على مشهد امتطاء فارس عاري الصدر حصانا“، وهو بذالك يشير الى صورة بوتين الشهيرة التي التقطت له عام 2009 وهو يركب حصانا عاري الصدر.
من جانبها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إن ”ركوب الحصان هو الأفضل“،
جونسون: ”علينا أن نظهر لهم عضلاتنا“.
وفي نهاية المطاف، وقف القادة مرتدين سترات لالتقاط الصور.!!
   وهكذا بدأت الدول الغربية تنحدر الى هذا المستوى الهابط حتى وان تظاهرت بالعكس …!!
  والاخطر من هذا كل هو المرتزقة التي دربتها ودمرت بها دولا مثل: سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان وهاهي اليوم تستخدمها لصالح حليفتها أوكرانياتحت مسمى المتطوعين المدافعين عن الحرية!!
   لنفرض انتهت الحرب ماهو مصير هذه المرتزقة وقد تسلحت جيدا ؟! هل سينقلب السحر على الساحر؟!
وقد بلغت الآلاف في اوكرانيا ولكنها مشروعة في نظر أمريكا والغرب في ازدواجية للمعايير مفضوحة!!
   لكن أمريكا نست او تناست أن صنعيتها ستكتوي بها يوما ما هي وحليفتها أوروبا عندما تضع الحرب أوزارها…!!
يبدوا أن الغرب وعلى رأسه امريكا مازال يغلب العاطفة على العقل وهذا مالاتحمد عقباه.
   الاكيد ان العالم اليوم في حاجة الى تعدد الاقطاب بدل القطب الاوحد؟!
     فلم تعد الساحة العالمية كما كانت تتصور أمريكا فقد ظهرت مؤشرات لقوى جديدة أصبحت تغض من مضاجع الأمريكان وهي القوة الصينية القادمة التي ستتخذ مكانتها بلا منازع في القرن الواحد والعشرين والدب الروسي الذي يحاول استرجاع مكانته الاقليمية والدولية كاسرا بذالك حاجز القطب الأوحد الذي ظل محتكرا لهذه المكانة طيلة العقود الماضية.

الهوامش:

مقال للمفكر الفيلسوف المغربي الراحل محمد عايد الجابري بتصرف نشر في:
الإسلام اليوم: وهي مجلة دورية تصدر عن ـ ايسسكوـ العدد 19 السنة 1423هاـ2002م.
أ ف ب + وكالات.

شاهد أيضاً

مفردة “جاس” في النشيد الوطني بقلم/ إسلم بن السبتي.

          كنت في إطلالة سابقة على مفردات النشيد الوطني قد كتبت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *