الأشجار وفوائدها في مدينة شنقيط بقلم / إسلم بن السبتي

   

      تزخر أرض مدينة شنقيط بأشجار ونباتات كثيرة، ساعدت الإنسان الشنقيطي على حياته الاجتماعية، وزودته بكثير من الفوائد المادية والصحية، مما يجعلها موضوعا ثرا للدراسة، ففي بلاد شنقيط عامة يحتاج هذا الموضوع إلى مزيد من العمل من طرف الباحثين المتخصصين بما له من أهمية على حياة الإنسان، ومشاركة منا في طرق هذا الموضوع نخصص له حديثنا عن تراث شنقيط المدينة، فهو موضوع بكر ينضم إلى مشروعنا الكبير في التعريف بهذه المدينة التي تستحق منا دراسة واسعة لكل مكوناتها، وما يعرف بمخصصاتها التراثية، سواء تعلق الأمر بالبشر، أو الحجر أو الأشجار… وكل مكونات الحياة على أديمها.
     ويذهب بنا الحديث في هذه الوقفة إلى أشجار المدينة، ففي باديتها أو بين جدران بعض دورها توجد أشجار متنوعة ذات فوائد جمة، فمن ذلك:
_ السدر، وجاءت هذه الشجيرة الصغيرة في بعض الأحيان والكبيرة في أخرى في نص التنزيل، “فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيل”. وهذه الشجيرة تنقسم إلى قسمين:
1_ سدر اهريتك، وهو شجر صغير ينبت في أغلب الأحيان في الأماكن القاسية، مثل ما نسميه” الظلعة” وتمتلئ تلك الشجيرات بالنبق الصغير، ويسميه أهل المدينة ب”اهريتك”، يأكله البشر، بكثرة، به حموضة يشعر بها الذائق.
2_ امبك لهبيل، وشجره ينبت في الأماكن الرطبة قرب منابع الماء، وفي منحنيات الوادي، بخلاف السابق، وتكون شجرته غاية في الخضرة وجمال المنظر، نبقه أكبر بكثير من نبق اهريتك، لذيذ، وأقل حموضة.
_ الطلح، وهو شجر عظيم، كبير المعنى، يكثر في الوديان، ذات ظل ظليل، يستعملها الساكن الشنقيطي في جلب الحطب، وصناعة الفحم، ويجنى منها الصمغ العربي. وتأكله مواشيهم وخاصة الإبل.
_ اتمات، وهو ينبت في الأماكن المنبسطة ذات الحجارة الصغيرة، وهو مادة صالحة لتغذية الحيوانات، وخاصة عندما يكون مخضرا وتنبت أزهاره الصفراء، يقتات البشر على صمغه الجيد، ويستعملونه في إيقاد النار، وكان هو المزود الأول لساكنة المدينة بما يشبه غاز البوتان الحالي، فكانوا يشترونه ويخزنوه في ما يعرف، “بتكدل” وفي مكان خاص به، يأخذونه عودا عودا، ويوقدون به النار المحضرة لأطعمتهم. وكان مورد رزق لمجموعة من أهالي شنقيط يشتغلون على جمعه ثم بيعه، لمن يريده.
وهو كذلك يستعمل في البادية عند تجمع الحي في أماكن النجعة حيث يستعمل كحظيرة (ازريبة) لحماية الماشية وخاصة الغنم، من الحيوانات المفترسة، كالذئاب وغيرها.
وقشور شجر اتمات(الدباغ)، مادة صالحة لمعالجة الجلود، التي تصنع منها القرب لحمل الماء. ومن نادر فوائده أنهم يستعملونه بدل ورقة الشاي في حالة انقراض هذا الأخير.
_ آتيل، شجرة مهمة تنبت في عدة أماكن، من بينها الأماكن السهلية، غير صالحة لإيقاد النار لرائحتها غير الجميلة، ولا تستعمل في ذلك إلا في حالة الضرورة. وهي المزود الأول للقوم بآلة نظافة الفم(لمساويك). ينبت فيها حب أسود يدعى (العنب)، وهو قليل الظل.
_ تيشط، وهي شجرة مهمة، يستظل بها، وتنبت في الوادي بكثرة، ولها ثمار ذات جودة عالية هي (توكه) وتستعمل طبيا في إخراج القيح المتعفن، كما تأكلها الماشية، ويمصها البشر لها طعم لذيذ. وحديثا استعملت لإخراج الزيوت. وأعوادها صالحة للبنيان فهي مستعملة في سقف مسجد شنقيط العتيق. كما يستخدمها أهل النخيل في صناعة الحظائر حماية له من الحيوانات، من حمير وغنم وإبل.
_ أيكنين، وهي الأخرى تستعمل أعوادها في البنيان، وتأكلها الماشية أيضا، وتنبت في الأماكن التي ينبت فيها تيشط، رائحتها غير طيبة، وتقول الأوساط الشعبية أنها قد تصيب الإنسان بمرض نفسي من شدة رائحتها.
_ أيزن، وهي أشجار وارفة، ذات ظل ظليل، وهي ليست بالكثيرة، وإنما توجد في أماكن معينة، يستظل بها المسافر في البادية عند وقت الراحة إن وجدها في طريقه. وثمرها “حب بقرل” والمنثور عنه أن “بقرل يقتل” لشدة مرارته.
_ شجر الحناء، وهو شجر صغير، يكثر في واحات النخيل، وخاصة في واحة “تيمنيت”، وهذه الشجيرة في غاية الأهمية إذ تفيد في تزيين نساء المدينة، ويشتغل البعض عليها، وذلك لبيعها وتسويقها في المدينة والمدن المجاورة. ومن فوائدها إن أهل شنقيط يستعملونها كعلامة دالة على حفظ القرآن الكريم، فالطفل عندما يختم القرآن حفظا “يحني” يده ثم يطوف متجولا في دور القوم معلما بذلك، وللبعض أن يختبره بطرح سؤال في حفظ بعض الآيات. ولهذه الشجيرة أيضا استعمالات طبية نافعة بحول الله، وهي إزالة أوجاع الرجلين واليدين، وتنفع في ما يسمونه “اطقيع” مرض الرأس المؤدي إلى الوجع، حيث يجعلونها في الماء ويغسلون بها رأس المريض، فتخخف بحول الله ذلك الوجع.
   أما في المدينة، فهناك شجرة واحدة دخيلة نعتقد أن المستعمر هو من أحضرها، وهي شجرة: (اجب، أو اكرون لمحاده)، وأكبر مكان توجد به هو مكان (اصنك)، فقد زرعها أحد ضباط المستعمر يسير تحت ظلها لدخول ما يعرف بالحديقة الكبيرة للمستعمر المعروفة ب(صردنه). وهي ذات ظل وارف، وقد علم مؤخرا أنها عدوة للنخيل، فقد أبادت منه الكثير مما دعا بأهل المدينة إلى محاولة القضاء عليها وعدم غرسها من جديد، إلا ما كان من الحزام الواقي من زحف الرمال فقد أنبتوها لصلابتها ومقاومتها للجفاف، فهي سريعة النبات وتنتشر على وجه الأرض فتثبت الرمال ولا تتجاوزها إلا نادرا.
    هذه إطلالة على الموروث التاريخي من شجر مدينة شنقيط، كتبنا ما كتبناه، إثارة للموضوع أمام الباحثين، وقد يزيده بسطا من له إلمام بما قيل فيه من الشعر، فصيحا كان أو عاميا، أو حكاية شعبية تشرح حياة القوم، وتنبئ عن ما فقد من فكرهم، في العادات والتقاليد. فهذه العناصر التي أشرت إليها تكون معجما عن الأشجار، كما هو واضح في صناعة المعجم العربي، فالتراكم شأن تدوين الثقافة المفقودة عند معظم الأقوام التي لم تعتن بالتدوين في حياتها، الثقافية والعقلية، والفكرية.

شاهد أيضاً

د. محمد ولد أحظانا يؤرخ للموسيقى من خلال مصطلحها؛/المرابط ولد محمد لخديم

تُعدّ محاضرة الدكتور محمد ولد أحظانا رئيس نادي الفائزين بجائزة شنقيط حول الموسيقى الحسانية، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *