جرت العادة في كل رمضان أن اقدم آخر مؤلفاتي تارة من الخارج وتارة من أنواكشوط وبما أنني كنت مشغولا في هذه السنة نتيجة لظروف العمل فانني أعيد نشر هذا العمل المشترك بيني والعلامة حمدا ولد التاه الموسوم ب: تائه يبحث؟ مدخل علمي الى الايمان‼ في حلقات..ورمضان كريم وكل سنة وأنتم بخير.
الحلقة الأولي
المقدمة:
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، ثم نفخ فيه من روحه، وخصه بقسمات وطبائع خاصة به، وسوى بنانه وأفرده ببصمة لا يشاركه فيها أحد لتكون بمثابة توقيعه، ووهبه العقل ميزه به عن سائر مخلوقاته، وأمره بإعماله في الكشف عن قوانين الكون المسخر له، وهداه النجدين وخيره أن يسلك أحدهما بمحض اختياره، وحمله المسؤولية أمانة أبت السماوات والأرض أن يحملنها وأشفقن منها, وحملها الإنسان شفقة واعتدادا. فأسجد الله له ملائكته تقديرا وإكبارا وحسن ظن به، في أنه سوف يحسن اختيار طريق الخير بكدحه وجهده ومعاناته رغم قدرته على اختيار طريق الشر.
ثم جعل منه الذكر والأنثى، وسيلة لحفظ نسله ونمائه، وجعل من آياته فيه اختلاف ألسنته وألوانه، وجعل منه شعوبا وقبائل وأمما وحضارات، تتدافع وتتخاصم ثم تتناحر وتتعارف وتتفاهم، وعد ذلك الاختلاف ضرورة لتطور الإنسانية ونموها وتلاقح الثقافات وارتقائها.
والإنسان بفطرته طلعة لا يقتنع من الحياة بمظاهر أشكالها وألوانها كما تنقلها إليه حواسه أو كما ينفعل بها شعوره، بل يتناولها بعقله، وينفذ إليها ببصيرته ليعرف حقيقة كل شيء؟!
إن الأمم الكبيرة ليست كبيرة بأعدادها، وإنما هي كبيرة بإنتاجها العقلي وسبقها الحضاري، وهذا وذاك لا تصنعه الدهماء، إنما تصنعه العبقريات الرائدة والبصائر النفاذة ولهذا نسعى دائما في بحوثنا إلى دراسة مجتمعنا من الداخل, مبتعدين قدر الإمكان عن الإجابات الجاهزة التي هي تكريس لما يكتبه الانتروبولوجيون الغربيون، عن مجتمعنا والذين يجهلون الكثير عن عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا الأصيلة..
ويمكننا أن نقسم مجتمعنا إلى طائفتين:
طائفة ذات ثقافة عليا و طائفة الثقافة الشعبية، الأولى يتشوفون إلى حشد الناس لمشايعة آرائهم ووجهات نظرهم، أما الثانية فيتطلعون إلى الخروج من شرنقة ثقافتهم الفطرية والبسيطة لذلك يلزم أداة ربط بين ثقافة الطائفتين على النحو المنجب والمبدع.
ولاشك أن وظيفة الثقافة العليا والأساسية هي تعريف الأمة على مكامن قوتها، وأن تفتح لها آفاق النمو والتطور، وأن تسلط أشعة النقد على أزماتها ومشكلاتها، وهذا ما يحتاجه مجتمعنا اليوم الذي مازال يبحث عن نفسه ولن يتحقق له رسم ملامحه المستقبلية إلا بتنقية ثقافته الشعبية من مركوم العادات والتقاليد السيئة وجعله أكثر وعيا بذاته.
فما هي المسلمات الدينية والعقدية والعلمية التي يجب احترامها والخروج عليها يعتبر زيقا عقليا؟ وما هو مجال العقل حسب التجربة الإنسانية؟
إننا كمفكرين بشر نؤمن بالعقل في حدوده وقدرته المحدودة وفي نفس الوقت نؤمن بالغيب في حدوده ومسلماته ونرفض الخرافة ‼
فهل تكون هذه المساهمة المرجل الذي يبخر عادات وتقاليد افلت.؟؟. والزناد الذي يطلق الرصاصة في ساعة الصفر إيذانا بانطلاق نهضة بكر تدرس مشاكل مجتمعنا الشائكة؟‼
يتواصل...