توضيح: الفرق بين كتابي”دين الفطرة” ودين الفطرة لجان جاك روسو اختلاف جوهري في الأهداف والمضامين!!/؛المرابط ولد محمد لخديم

      عندما نشرتُ تقديماً عن كتابي *دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية* في الأسبوع الماضي؛
https://elfikr.net/?q=node/50886
      وردت إليّ بعض الإيميلات التي تسأل عن الفرق بين كتابي هذا وكتاب *دين الفطرة* لجان جاك روسو، ترجمة الدكتور عبد الله العروي.
فكان جوابي كا الآتي:
      الترجمة واختيار العنوان قد تُضلل القارئ حول المحتوى الفعلي لفكر روسو.
خاصة في المجتمعات التي قد تربط “دين الفطرة” بمفاهيم إسلامية راسخة.
      العنوان الأصلي لكتاب روسو هو “عقيدة قس من جبال السافوا”، والذي نشر في عام 1761م.
يتناول عقيدة قس تحول من البروتستانتية إلى الكاثوليكية، ثم انتهى به المطاف إلى الإلحاد.
       هذا الكتاب يعكس فلسفة دهرانية (Deism)، ويبحث في العلاقة بين الإنسان والله من منظور الضمير الفردي، دون الاعتماد على الوحي أو النبوة.
ان “دين الفطرة” كما يعرضه روسو يختلف جذريًا عن المفهوم الإسلامي للفطرة.
      روسو في كتابه يعتمد على الضمير كركيزة أساسية لتحديد القيم والأخلاق، ويبتعد عن الوحي والنبوة كمصادر رئيسية للإرشاد الإلهي، مما يؤدي إلى تكوين دين قائم على العرفان الذاتي بعيداً عن أي وساطة دينية.
     أما دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية” فيعتمد على الوحي والنبوة كأصول ثابتة للفطرة السليمة، وهو ما يعكس الاختلاف العميق بين الطرحين.
الفرق الأساسي بين الكتابين يكمن في الأساس الفكري والفلسفي الذي يعتمده كل منهما.
     كتابي دين الفطرة: يرتكز على الفطرة من منظور إسلامي، حيث سعيت من خلاله إلى استنطاق العلوم الطبيعية مثل: الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية تتوافق مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
    في هذا السياق، ركزت في طرحي على أن الفطرة، وفقاً للتعاليم الإسلامية، هو الميل الطبيعي للإيمان بالله والوحدة الكونية التي تجمع بين العقل والعلم والدين.
أما كتاب “دين الفطرة” لجان جاك روسو، فهو يُعتبر محاولة لتأسيس دين جديد مبني على الضمير الفردي بعيداً عن التعاليم الدينية التقليدية.
    روسو يدعو في هذا الكتاب إلى ديانة تُعتمد على الأخلاق الشخصية والضمير كمرشد وحيد للإنسان، دون الاعتماد على الوحي أو الشرائع الدينية.
     من هنا، يمكن القول إن روسو يُقدّم تصوراً للديانة يستند إلى المبادئ العقلانية والإنسانية، ولكنه يفصل الدين عن جوهره الإلهي ويضع الأساس لما يمكن اعتباره ديانة ضميرية فردية.
وباختصار، يمكن القول إن كتابي يُحافظ على المبادئ الأساسية للوحي والنبوة، بينما يسعى كتاب روسو إلى تأسيس ديانة مبنية على الضمير فقط، مما يؤدي إلى اختلاف جوهري في الأهداف والمضامين.
    تأسيسا على هذه النقاط، يمكن توضيح الفرق الجوهري بين فلسفة روسو التي تعزل الدين عن الوحي وتعتمد على الضمير الفردي..؟!
      وبين دين الفطرة :استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية الذي يعزز الإيمان بالوحي كقاعدة أساسية لدين الفطرة.
وماحدث في ترجمة كتاب روسوا يحدث في ترجمات كثيرة لكتب فكرية واسلامية ظنا من أصحابها أنها تخدم الدين الاسلامي والعكس هو الصحيح!!
     ترجمة هذه الكتب بدون فهم عميق للسياق الثقافي والديني قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
      الترجمة ليست مجرد نقل للكلمات، بل هي أيضًا نقل للأفكار والمفاهيم بطريقة تحافظ على المعاني الأصيلة.
عندما يتم الاعتماد على منطلقات خاطئة، يمكن أن ينحرف المعنى ويؤدي ذلك إلى نشر مفاهيم مغلوطة قد تؤثر سلبًا على فهم الدين الإسلامي.
        هذا الخطأ يظهر بشكل خاص عندما يُظن أن مجرد الاقتراب من مصطلحات أو أفكار معينة سيؤدي إلى تقوية الدين، بينما في الحقيقة يمكن أن يؤدي إلى تشويه المفاهيم الأساسية للدين وتقديمه بشكل يتعارض مع جوهره.
        لذلك، فإن مسؤولية الترجمة الفكرية والإسلامية تتطلب فهمًا عميقًا ليس فقط للغة ولكن أيضًا للسياقات الثقافية والدينية التي يتم تناولها.
       تناول الدين كمشكلة اجتماعية بحتة بدون اعتبار لأصوله وثوابته خطأ كبير !!
       وهذا ما وقع فيه الكثير من الكتاب والباحثين اذ يتناولون الدين على انه
(Objective problème ) ( مشكلة موضوعية)
فهم يجمعون في سلة واحدة كل ما أطلق عليه اسم “دين” في أي مرحلة من التاريخ ثم يتأملون في ضوء هذا المحصول حقيقة الدين..؟!
     إن موقفهم ينحرف من أول مرحلة، فيبدوا لهم الدين جراء هذا الموقف الفاسد ـ عملا اجتماعيا، لا كشفا لحقيقة، ومن المعلوم أن لكل ما يكشف عن حقيقة من الحقائق مثلا أعلى، ولا بد عند البحث عن هذه الحقائق أن ندرس مظاهرها وتاريخها في ضوء مثله الأعلى.
      لذلك، فإن استخدام التاريخ أو علم الاجتماع كأدوات لطعن في الدين أو لتفسيره بشكل سطحي يؤدي إلى انحراف كبير عن جوهر الدين.
     يبقى الدين، في كل الأحوال، حقيقة ثابتة في ذاته، رغم اختلاف أشكاله التي يقبلها المجتمع. ومن هنا، يجب التعامل مع الدين بناءً على أصوله وثوابته التي ترتبط بالوحي والنبوة، وليس كظاهرة اجتماعية تخضع للتغيرات المجتمعية.

الملخص:
      النص يوضح الفرق الأساسي بين كتابي “دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية” وكتاب “دين الفطرة” لجان جاك روسو، ويبرز أن الترجمة غير الدقيقة واختيار العنوان قد يسببان التباسًا حول المحتوى الفعلي لفكر روسو، خاصة في المجتمعات الإسلامية.
     روسو يعتمد في كتابه على الضمير الفردي كمصدر للقيم والأخلاق، بعيدًا عن الوحي والنبوة، مما يقود إلى دين يستند إلى الإدراك الذاتي والتجربة الفردية.
     بينما يعتمد كتاب: دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية على الوحي والنبوة كأساس لفطرة الإنسان السليمة، ويسعى لربط العلوم الطبيعية بالإيمان والإسلام.
       النص يشدد على أهمية الترجمة كوسيلة لنقل الأفكار والمفاهيم بدقة وبطريقة تحافظ على المعاني الأصيلة،
ان الترجمة السيئة قد تروج لمفاهيم خاطئة تؤثر سلبًا على فهم الدين.
      كما ينتقد النص استخدام التاريخ وعلم الاجتماع لتفسير الدين بشكل سطحي، معتبرًا أن هذه المقاربات تتجاهل الأصول الثابتة المرتبطة بالوحي والنبوة، ويؤكد أن الدين يجب أن يُدرس بناءً على هذه الأصول، وليس كظاهرة اجتماعية تخضع للتغيرات الزمنية والمجتمعية.

شاهد أيضاً

لحظة تأمل!!/المرابط ولد محمد لخديم

     في الانشغال بمطالب العيش، والاعتمار في غمرة الحياة ينسى الناس أن يفكروا، فيتساءلون: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *