كتب زميلنا ورئيسنا، وعالمنا الرياضي المتميز د. اسلك أحمد إزيد بيه، مالفت نظري عن كتاب البادية للشيخ محمد المامي ولد البخاري.
ولسلطان العادة ومتلازماتها لم أكن أتصور أن الأستاذ الدكتور إسلك ضارب بسهم فيما سوى الرياضيات أو المنطق، وما شاكلهما من العلوم الدقيقة، ولكنني أعدت اكتشاف أبعاد واهتمامات معرفية أخرى لدى زميلنا الكاتب. وإن كان الاكتشاف متأخرا فلابأس، إذ خير أن تأتي متأخرا من أن لا تأتي.
لقد قرأت المقال دفعة واحدة، واستنتجت منه مجموعة من الاستنتاجات العامة بادي الرأي:
أولا: أن المقال من أحسن ما كتب عن هذا العمل الرائد شمولا وفهما، وحيوية، واختصارا، وإفهاما. فقد سبح كاتبه في الحد الفاصل بين مرج البحرين دون أن يبغي عليه أحدهما: بحر الفقه المتلاطم اللجنة بالتعقيدات التعبيرية، والتداخل في معايير الأحكام، والمصطلحات والاختصارات، والمرموزات.. والاقتضاءات؛ وبحر المتطلبات المنهجية الأسلوبية التي تجعل المقال منتميا لزمنه الثقافي الحالي، رغم أنه يتحدث عن زمن ثقافي آخر ولت شروطه المعرفية.
ثانيا: أن هذا المقال يصلح تقديما جيدا لكتاب البادية الرائد في إحدى طبعاته اللاحقة. إذ يقدمه تقديما إشكاليا معاصرا شيقا، دون تكلف فكري دائري، ولا تمحل استعراضي صارف عن فحواه المطلوب إبلاغيا.
ثالثا: تفتح المعالجة المنهجية الدقيقة لقراءة نص مرجعي من نصوصنا التراثية، مثل كتاب البادية، أفقا ذا نفس نقدي إناسي ينأى عن الأحكام المعيارية القاطعة أو المبالغ فيها، ويشجع القارئ على إعادة قراءة النص التراثي من منظور حداثي؛ مما يهيئ لكسر دائرة القراءة التمجيدية، أو الهجائية، بطرح بديل عن كلتا القراءتين التلبيسيتين، العاطفيتين، المخادعتين، بقراءة تتنسم مناخ العلمية، وتؤسس نفسها في العقل وشروطه، وتستحضر القارئ وتحترمه.. إفهاما وحوارا بينيا يحبو خلال السطور.
إن تعاطفنا مع تراثنا جعله يعاني من النزعة التقديسية للنص التراثي، التي تحوله من حقله المعرفي التداولي الذي ولد فيه أصلا، إلى حقل المقدس قراءة وتناولا..
هذا الوضع خلق حِمى تواضعيا، ودرعا، بل حصنا منيعا لنصوصنا التراثية “المحرمة”، حتى لايخترقها عقل بشروطه البرهانية، والعلمية التي يوفرها فضاؤنا المعرفي الحالي، فاستغلقت علينا استغلاقا، وانفصلنا عنها فهما وانشغالا، وأسبغنا عليها “حِمى البركة”، مع أن مؤلفيها لم ينتجوها لذلك أصلا، ولم يدعوه لها.
رابعا: أعجبت بطريقة الترويح الكتابي الأسلوبي المنهجي حيث كان التناول مريحا مفهوما، من بدايته إلى نهايته؛ بل مشوقا للقارئ.
كما لمست تواضعا علميا جما من الكاتب. وهو أمر مطلوب في أخلاق العلماء كمآ يقول الفيلسوف الفرنسي رنيه ديكارت.
تهنئة لكم على توفيقكم المنهجي، وزاوية نظركم الواضحة، وأسلوبكم السابح بين البحرين، وقدرتكم على تحويل الفقه إلى مادة سهلة الفهم لدي ولدى أمثالي من قاصري الاستيعاب والفهم.
حييتم دكتورنا الأستاذ.
بالنسبة لرابط المقال من هنا:
الأستاذ الدكتور إسلك أحمد إزيد بيه يكتب عن كتاب: “البادية” .
د. محمد ولد أحظانا رئيس منتدى الفائزين بجائزة شنقيط.