فيرد اينشتين : اسمح لي أن أضرب لك مثالا: إن العقل البشري مهما بلغ من عظم التدريب و سمو التفكير عاجز عن الإحاطة بالكون فكيف بخالقه ؟! نحن أشبه ما نكون بطفل دخل مكتبة كبيرة ارتفعت كتبها إلى السقف فغطت جدرانها، ثم هي مؤلفة بشتى اللغات. إن هذا الطفل يعلم أن شخصا ما كتب هذه الكتب، ولكنه لا يعرف بالضبط من هو، ولا كيف كانت كتابته لها، ثم هو لا يفهم اللغات التي كتبت بها!!
وقد يلاحظ الطفل أن هناك طريقة معينة رتبت بها الكتب ونظاما غامضا يشمل صفوفها وأوضاعها، نظاما تحس كنهه ولا تدري كنهه.
وإن ذلك القصور هو موقف العقل الإنساني مهما بلغ من العظمة والتثقيف !!
وعاد الصحفي الأمريكي يسأل: أليس في وسع احد حتى أصحاب العقول العظيمة أن يحل هذا اللغز؟؟.
فأجاب اينشتين مرة أخرى بقوله إننا «نرى كونا بديع الترتيب خاضعا لنواميس معينة، ونحن نفهم هذه النواميس فهما يشوبه الإبهام فنؤمن بالله، ولكن عقولنا المحدودة لا تدرك القوة الخفية التي تهيمن على مجاميع النجوم»(25).
نلاحظ من هذا الحوار مدى تباين الخطابين خطاب بغوص في المادة وبغرق فيها فينسى ذاته وينسى سؤال الكينونة وخطاب يتأمل هذا الكون وخالقه رافضا الشبهات التي تختلق ضده، وكأن لسان حاله يقول: إن بعض الخلافات الظاهرة مردها اختلاف العبارات وليس المعتقدات. وهكذا حيثما اتجهنا وجدنا من الشواهد ما يكفي للدلالة على أن عدم تبديل المقاربة الأدائية المادية لنمط رؤيتها لماهية الإنسان إنما هو ناتج عن عدم انتباهها لمنطلقها الخاطئ المحكوم بالرؤية الكمية.
وهذا ما جعلنا نتخذ طريقة أخرى جديدة في عالم الفكر أساسا لبحثنا وهي منهج الفطرة.
فقد اتجهت الأنظار منذ زمن بعيد أن بناء الفكر وبناء الوجود واحد وليس هناك صيغة للأفكار إلا أجسادها اللفظية وهذا ما يقتضي إيجاد نظرية تبحث في اللغة بحثا جدليا يكشف عن التضاد القائم في كل لفظ من ألفاظها ليصلوا من خلال هذه الخصائص اللغوية إلى إقامة فلسفة تعتمد أمثلة ذات وجهين، وجه طبيعي وآخر إنساني مجتمعين معا في اللفظ..
إن هناك حاجة لنشوء نظرية لغوية عامة لا تنفصل فيها الصورة عن المادة تكون قاعدة لهذه الفلسفات، فهل يمكننا القول أننا قد اقتربنا فعلا من هذه النظرية ؟!!….يتواصل…..