بعد حصول موريتانيا على استقلالها واجه الرئيس المختار ولد داداه تحدي إنشاء الدولة الجديدة التي لم تتأسس عاصمتها بعد، ولا تتوفر على بنية تحتية أو مرافق عمومية أو مؤسسات.
ولكن دبلوماسية الرجل وعلاقته الإفريقية والدولية جعلته يتغلب على هذا التحدي..
وتتوالى الشهادات في حق الراحل ولد داداه حتى آن الجنرال موبوتو رئيس زائير سابقا قال له لو قدر لنا أن نجد عشرة زعماء افارقة مثلك لكانت قارتنا لا تعاني من الجهل و التخلف …!!
ومما يثلج الصدر ويشعرك بالفخر عندما تسمعها يستدل بها داعية وعالم كبير في وزن عمر عبد الكافي (الفيديو):
وقد فرغنا هذه الشهادة كتابة:
في عام 1973م.زار الرئيس الزائيري الجنرال موبوتو سي سي سيكو (الكونغو الديموقراطية حاليا) موريتانيا لمدة ثلاثة أيام وهي من أفقر بلدان القارة الأفريقية آنذاك وأثناء المباحثات في الأيام الثلاثة لاحظ الرئيس الزائيري أن مضيفه الرئيس الموريتاني آنذاك المختار ولد داداه يرتدي بدلة واحدة لم يغيرها طيلة الأيام الثلاثة.
أدرك موبوتو أن مضيفه لا يملك المال الكافي لشراء البدلات الأنيقة و الباهظة الثمن من دور الأزياء الراقية في الدول الأوروبية!!
وعند اختتام زيارته وفي صالة المغادرة في مطار نواكشوط سلم الرئيس الزائيري موبوتو شيكا بمبلغ خمسة ملايين دولار لسكرتير الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه لكي لا يحرج مضيفه و أعطى السكرتير عناوين أشهر مصممي الأزياء في العاصمة الفرنسية والتي يحيك موبوتو بدلاته عندها لكي يحيك للرئيس الموريتاني المختار ولد داداه ثيابا لدى تلك دور … !!
بعد توديع الرئيس الزائيري سلم السكرتير الرئيس الموريتاني شيك بخمسة ملايين دولار وقال له إنها هدية من الرئيس موبوتو لك لكي تشتري بها بدلات والبسة من باريس. استلم الرئيس ولد داداه الشيك وسلمه لوزير المالية الموريتاني لكي يضعه في حساب الدولة …
ولاحقآ ومن مبلغ خمسة ملايين دولار هدية الرئيس الزائيري تم بناء وتجهيز المدرسة العليا لتكوين الأساتذة ENS في موريتانيا التي كانت تعاني من نقص شديد في الأساتذة والمعلمين !!
بعد خمس سنوات من زيارة موبوتو إلى موريتانيا توقف الرئيس الزائيري في المغرب قادمآ من زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية استمرت لاسبوع وما إن علم الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه بتوقفه في الرباط حتى اتصل به ودعاه لزيارة موريتانيا اعتذر موبوتو ولكن بعد الحاح ولد داداه وافق على أن تكون زيارته قصيرة و في الطريق من المطار إلى القصر الرئاسي لاحظ موبوتو أن لافتات مكتوبة باللغة الفرنسية تزين الشوارع في الطريق مكتوب عليها شكرآ زائير شكرآ موبوتو شكرآ على الهدية القيمة…
وقبل أن يصل الموكب الرئاسي إلى القصر توقف في المدرسة العليا لتكوين الأساتذة ENS وما إن ترجل موبوتو من السيارة حتى استفسر وسأل بتعجب ولد داداه عن الهدية التي يشكرني عليها الشعب الموريتاني فأنا قد وصلت قبل ساعة إلى نواكشوط وللأسف لا أحمل هدايا معي ؟!
عندئذ ابتسم الرئيس ولد داداه وقال هذه هي هديتك القيمة فبمبلغ خمسة ملايين دولار التي قدمتها لي قبل خمس سنوات بنينا بها مدرسة لإعداد الأساتذة والمفتشين كان شعبنا بامس الحاجة إليها لكي نحارب الأمية والتخلف والجهل والفقر فعانقه موبوتو وقال له لو قدر لنا أن نجد عشرة زعماء افارقة مثلك لكانت قارتنا لا تعاني من والجهل التخلف …!!
و قال ولد داداه لضيفه إنني استلم راتبآ شهريآ من خزانة الدولة ولا اعمل بلا أجر وهذه الهدية منك لشعب موريتانيا أما مظهري وهندامي فلا يجوز أن يكون من أرقى بيوت الأزياء العالمية وشعبي يعاني من الأمية والجهل والفقر ولأنه بالعلم يستطيع أن يقضي على تلك الافات والمعوقات التي تعرقل مسيرته..
الى ذالك حدثني الأستاذ الدكتور محمد سيديا ولد خباز رئيس جامعة انواكشوط سابقا المدير الحالي للمدرسة العليا للتعليم ENS. ان محمد يحظيه ولد الطلبة الأمين العام السابق لجامعة انواكشوط ومدير التوجيه في وزارة التهذيب الوطني زمن الأب المؤسس المختار ولد داداه قال له انه ووزيره آنذاك جوب مامادو آمدو وزير التهذيب الوطني كانا في زيارة عمل لكل من: المغرب وتونس وزايير وكونغو كينشاسا وقد استضافتهم تلك الدول على حسابها prise en charge وعند انتهاء المهمة والرجوع إلى موريتانيا في الطريق عرجا على السينغال حيث بقي الوزير فيها للراحة و زيارة بعض اقاربه وقبل مغادرتي دكار سألت السيد الوزير ماذا اعمل لتعويض بدل السفر frais de mission قال لي سلمها لمدير ديوان رئيس الجمهورية محمد عالي شريف. غادرت دكار متوجها إلى انواكشوط وعند وصولي كلمت مدير الديوان عن المال الذي أرسل معي قال لي أودعه في الخزينة العامة وارسله مع تقريركم يقول محمد يحظيه).
أما الآن فإن بدل السفر les frais de mission يستهلك بالكامل بل قد يتحايلون عليه في حالة ما اذا لم يكن عند المؤسسة أموالا تغطيها.
فهل للرجوع إلى هذا الزمن الجميل من سبيل؟!
الاكيد ان مقولة الجنرال موبوتو صحيحة.
ويبقى هؤلاء الرجال العظام باعمالهم الخالدة أحياء في خلد الأمة على حد قول الشاعر:
قَد مَاتَ قَومٌ وَمَا مَاتَت فَضَائِلُهُم
وَعَاشَ قَومٌ وَهُم فِي النَّاسِ أَموَاتُ.
………………………… .
(*)المدرسة العليا للتعليم ENS تتكون من خمسة اقسام في جميع التخصصات وتخرج كل سنة 300طالبا وطالبة أساتذة للتعاليم الثانوي كما تدرس فيها الان 600طالب وطالبة.كما أنها مركزا لتكوين موظفي الدولة من جميع الوزارات.