وهذا يسلمنا إلى معادلة جديدة أحد طرفيها البطن والفرج والطرف الآخر القلب والعقل وتكون المعادلة على الشكل التالي:
العقل+القلب = البطن+الفرج.
وعليه يتحدد تعقلنا للأشياء حسب تفعيل طرفي المعادلة بالنسبة للطرف الآخر. وتفسير ذالك أن الإنسان فيه غرائز دنيا تشده إلى تحت؟
وخصائص كريمة تدفعه إلى فوق؟ فإذا كانت هذه الخصائص أشد قوة ذهبت بالإنسان صعدا إلى آفاق الحق والخير والجمال. وإذا كانت مساوية لغريمتها ذهب السالب في الموجب وبقى المرء موضعه. وإذا كانت أضعف منها أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فلم تراه إلى مبطلا شريرا دميم الروح. والذي أقصده أن تحصيل الكمال تحتاج إلى معاناة علمية وخلقية…فالكريم لن يكون كريما إلا إذا قهر نوازع الشح. والشجاع لا يكون شجاعا، إلا إذا هزم بواعث الخوف…
إن هذه الصفات تتجسد في أقوالنا وأفعالنا شبابا وشيبا، حكاما ومحكومين، مثقفين وأميين، والسبب عندي الذي جعل كل الدراسات الاجتماعية التي أجريت على مجتمعنا باءت بالفشل هو أنها أغفلت أو تناست هذه القضايا السابقة.
نحن هنا إذ نورد هذه القضايا إنما نبحث عن العلة الكامنة في الذات، فإن نحن نجحنا في معالجتها فإن المشكلة ستزول – تلقائيا- بزوال أسبابها وإن تجاهلناها وعالجنا الظواهر فقط، فستعاودنا بأشكال شتى،كمن يتوجه إلى البعوض بأطنان مبيدات الحشرات، ولا يفطن إلى تجفيف المستنقع الذي يحتضن بيوضها فلا تلبث أن تفقس من جديد، ودليلنا ورائدنا إلى سبر أغوار مجتمعنا هو اجتهاداتنا الشخصية من داخل المجتمع مع مقارنتها بدراسات لمجتمعات أخرى,لنرى مدى مواكبتها للحضارة لانسانبة اليوم.(6)
فهل يبدع فقهاؤنا الحاليين وأخصائيينا الاجتماعيين رؤية إسلامية تستفيد من آخر منجزات المعرفة, وتقف على أرضية شرعية؟؟
وضرورة إيجاد ثقافة تستجيب لمتطلبات عصرنا أصبحت الآن ملحة أكثر من أي وقت مضى ذالك أننا لم نعد” لفريك” الذي تسعه “أطناب الخيمة” رغم أننا مازلنا نعيشه واقعا. بل أصبحنا من ضمن القرية الكونية العالمية في عالم الأمم والقارات. شئنا أم أبينا..
إن التحولات الكمية, وارتفاع القدرة الشرائية، استبدال الطاقة البشرية وتطور العمل التقني، وتطور أنشطة الوقت الحر, أنتجت تحولا نوعيا بطيئا تمثل في بروز مشاكل متعلقة بالحياة الخاصة، مشاكل حول الحياة الشخصية المستقلة مست بالأساس الطبقة المتوسطة والعمالية، ويتعلق الأمر بتطوير ظاهرة جديدة داخل الحياة الشخصية، إنها فردنة الوجود الإنساني.
إن خاصية الثقافة الجماهيرية تتمثل في كونها ستوفر للفئات الاجتماعية الصاعدة (طبقة متوسطة)، شباب، نساء، صورا إدراكية وقيما ونماذج سلوك جديدة أبطالها:
الشخصيات السينمائية، ونجوم الموضة، ومقولاتها: المغامرة، والحرية الفردية، وغاياتها: الحياة والسعادة، والمتعة…الخ).(7)
وهذه الصور ونماذج السلوك أضحت من مكونات تفكير شبابنا الذي ينشد لدى كتابه ومفكريه مستوى من المبادرة والجد والإخلاص , ولونا من الكتابة المباشرة التي تعيش عصرها و أفكاره وتطلعاته, فإذا هم لا يزيدون على مضغ حكايات الأولياء, واجترار بضعة خيالات محلقة فى سموات التيه, ومجابهة الواقع الصارخ الملح بما يميعه في وعى الجماهير,ثم يسرح بها بعيدا بعيدا , في أحلام الماضي وتصوراته.
فالتائه في هذه الحالة يقبل كل شيء ولايقتنع بشيء ينتظر حلا غيبيا أو خياليا..!!.
فقد سيطرت المادة على كل شيء التجارة على الثقافة رجل الأعمال في مواجهة العالم.
وبما أن الرأسمالية المتوحشة هي السائدة اليوم فإنها هي التي تصوغ عقولنا ولم تعد ثوابتنا وقيمنا التي توارثناها قادرة على مجاراتها..
في بحث له حول هذا الموضوع يحاول الكاتب الطيب بوعزة أن يبني دلالة الإنسان في النسق الحضاري الغربي مع استحضار أصوله الفلسفية القديمة ومقارنته بالنسق الحضاري الإسلامي وفي سياق المقارنة بين النسقين الحضاريين الغربي والإسلامي يتناول الكاتب بالتحليل والمقارنة نموذجين سرديين هامين هما قصتا (روبنسون كروزو) لدانيال ديفوا و حي ابن يقظان (لابن الطفيل).
مستنتجا التمايز بين العقلين الغربي والشرقي، عقل يغوص في المادة ويغرق فيها فينسى ذاته وينسى سؤاله الكينونة، وعقل يتشوق إلى ما وراء وينزع نحو تأمله.
لقد قام العقل الغربي الحداثي بقلب دلالي لمعنى ماهية الإنسان من الماهية العاقلة إلى الماهية المالكة، بالمدلول الاقتصادي المادي للتملك.
إذ تعد مقولة الإنسان كائن اقتصادي (Homo Economicus) مرتكزا نظريا أساسيا للنمط الثقافي الحداثي بدءا من لحظة استوائه في نمط الاجتماع الرأسمالي….يتواصل….
شاهد أيضاً
دين الفطرة في منهج الفطرة؛ ماذا قيل فيه؟!(الجزء الأخير) المرابط ولد محمد لخديم
يقول الأستاذ الدكتور: محمد سيديا ولد خباز المدير العام للمدرسة العليا للتعليم رئيس جامعة أنواكشوط …