يسرنا ويشرفنا في تحرير موقع (آفاق فكرية ) أن يكون لنا السبق في النشر الإلكتروني للكتاب القيم: المفكر السياسي: :محمد يحظيه ولد ابريد الليل:شهادات صادقة على مسيرة نضال ساطعة وحافلة وقد بلغ عدد هذه الشهادات (132)شهادة تأبين أدلى بها عدد من مفكري الوطن العربي والافريقي .ونرجوان تكون ترجمة بمقولة :أقوال الخلق أقلام الحق .
وسوف ننشر الكتاب على حلقات إن شاء الله تعالى تكريما لايقونة الوطنية والقومية في هذه البلاد .
والله من وراء القصد .
التحرير .
رحيل العظماء/ الدكتور عبد الصمد ولد امبارك
ودعت موريتانيا و العالم العربي و الإسلامي فقيد الفكر و النضال و التاريخ و الثقافة ، المرحوم محمد يحظيه ولد أبريد الليل ، الذي يشكل رحيله فاجعة لكل التقدميين و لكل الأحرار و الضمائر النزيهة ، المثقلة بالأمل على مستقبل البلاد و العباد .
رحيل المفكر و المناضل الجسور محمد يحظيه ،خسارة لموريتانيا التي فقدت قامة وطنية و رمزا قوميا ، أرتوت بأفكاره أجيالا من الشباب و النخب الوطنية ، طيلة العقود المنصرمة من تاريخ الدولة الوطنية .
رجل فكر و سياسة و تاريخ ، ذو ثقافة واسعة ألهمت قواعد عريضة وطنيا و قوميا عربيا ، عاش على الدرب و ثبات المواقف ، رغم المحن و تقلبات الزمن و إكراهات التاريخ المستعصية ، بما فيها تحمل مختلف الصدمات المؤثرة ، التي عرفتها الساحة الوطنية مع مقاصد الأزمات العربية المتتالية ، التي ظل الراحل شامخا في وجهها ، بل جسورا في تقبل مرارة معظمها في هدوء و صمت مع التماسك الأصلي ، كغيره من الجيل الذهبي العقائدي في الإلتزام الفكري و الأخلاقي ، حتي الرحيل في صمت مطلق دون حس بآلام الفراق ، رغم حجم الفراغ الثقيل و الإرث الإنساني الأبدي .
تميز الراحل بالزهد الدنيوي و تجاهل النزعة المصلحية الضيقة ، ليعتني بالشأن العام في طابعه الوطني والقومي ، مجسدا عقيدة روحية ، تستلهم العبرة من محصلة ثقافات كونية مختلفة ، ضمن كتلة شكلت وعاء الخلفية الحضارية التي عاش من أجلها الفقيد. متبصرا التجارب من جسور عريقة تمتد من العقيدة الإسلامية و النظرية البابلية و الصينية ، حتي الثقافة الأوروبية و الإفريقية، مع التمسك بالخصوصية الجغرافية الشعبية ، الممتدة من وادنون و حتي تومبوكتو ، ضمن مناخ صحراوي مترامي ، تتنازعه عدة مشارب و أقطاب ، ظل محمد يحظيه يؤمن بحتمية الوجود لهذا العنصر و الكائن، مع إلزامية توفر مقومات الحياة الكريمة لهذا التراث الإنساني ، إنطلاقا من خصوصية الرجل و عمق إنتماءه ،مع الوفاء للقيم و المبادىء التي ناضل الرجل من أجلها.
لقد كان محمد يحظيه أحد أبرز العقول الثقافية و الفكرية و مرجعية سياسية ، واكب مراحل تطور الدولة الموريتانية ، بل يشكل كنزا ثمينا يحتاج صبر الأغوار ، لتحقيق مقاصد البحث في حيثيات و عمق التبصر في الخلفيات التاريخية التي لازمت نهج و عقيدة الراحل ، الذي أندثرت مع رحيله مكتبة ضخمة ، إحتضنتها أكنافه و فقدتها الذاكرة الجماعية دون سابقة إنذار .
اليوم نودع خصالا ثمينة و خط تربوي نفيس ، سطره ولد أبريد الليل عبر مسار نضالي طويل بكل حكمة و حنكة . سيبقي أروع مثال للأجيال و طريق ناصع الإنتماء الوطني ، لمن أراد الحياة من أجل الآخرين .اللهم أرحمه و أغفر له و تجاوز عنه، اللهم أسكنه فسيح جناتك مع الشهداء و الصديقين الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، إنا لله وإنا إليه راجعون، مع تعازينا القلبية الخالصة للشعب الموريتاني و كافة قواه الحية .
الأستاذة خدجة منت عابدين المعروفة باسمها المستعار “الدهماء ريم”: غيَّاب محمَّد يحظيه!
تَحقَّقَّ لوالديه تَيمُّنهما بالاسم، فِعلاً احْظَاهْ الله، كان محظوظًا بِمَا كانهُ، وكان حظًّا للوطن وحُظوة.
ظلَّ محمد يحظيه فيضًا من شعاعٍ، شامخًا، مُتعاليًا، لا ينتكس أمام الإغراء، ولا ينزلق على الأسطح اللزجة، تجسَّد فيه «الضَّمير الصالح» لهذه الأمة، كان أكثر السَّاسة إصرارًا على الرِّفعة،.. هو بجدارة آخر من مارس السّياسة بتصوّف وفطرة سليمة.. فقد امتلك بعقله المعتَّق سحر العظماء، وتبحُّر الفلاسفة، زانه الغُموض وزاده مهابة.. عاند الزَّمن في كبرياء، لم يظهر منه إلا ما يظهر من جبل الجليد!
عُرف محمد يحظيه بأنه إذا أقْدَم على الأنظمة أقْدَم بِندَّيةِ الواثق، وإذا أحْجَم عنها تَحسب له ألف حِساب،.. رفعت السجون من حماسه للمجد، ودرَّبته على الزهد في الجزئيات.
محمد يحظيه الإنسان لمن لا يعرفه، رجل وقور، ودود، مُمازح، متمدِّن، طيِّب المعشر،.. زَاوجَ بين القدرة على الكتابة الحاسمة في الفكر والأدب والأنتروبولوجيا، والمقدرة الشفهية، فكان رجل خطاب مثير لفضول العقل بلفظٍ متقونٍ مُهذَّب.
امتلك “ابريد الليل” قدرة استشراف مُبهرة، وحظي ببصيرة تَخلق الأعداء، فقد جعل منه عقله الشاسع مرْكزَ دراساتٍ مُتكامل.
تبنَّى الفقيد الفكر القومي وأخلص النية والفعل في توظيفه لخير الوطن بكل أطيافه،.. هذا الفكر آلية بشرية جاءت لتحرير المُجتمع من تسلط الاقوياء، وتحرير الفرد من عبودية الجماعة، وتحرير العقل من سيطرة الخرافة، وتحرير النفس من قيود الكبت والخوف.. وقد نجحت الآلية في بعض الجوانب لحدٍّ باهر…وفي بعضها بالمتوسط ودونه، وأخفقت في مطارح أخرى،..لكن الأكيد أن هذا الفكر لم يكن اقصائيا ولا عنصريا، ولا يتحمَّل وزر جهل الآخرين به.
من حق “ابريد الليل” وغيره الاعتقاد بأن للقومية العربية مقدرة عجيبة على انتزاع اعجاب الزمن، وبأن جذوتها لن يُخمدها هتاف “الفوضويين” في حقبتهم الذهبية الثانية، وهيمنتهم -مرحليا- على انتباه من لا يملكون القدرة على مواجهة الدعاية أو تفنيدها، وقد دفع عمره لحماية هذا الاعتقاد،.. والظاهر أن عليه أن يدفع من سمعته بعد عمره.
معلوم أن محمد يحظيه غير مُحتاج لمَصدَّاتٍ عن سمعته الوطنية النظيفة.
وعلى ذكر السّمعة، شَحذ الأستاذ جميل منصور حسَّه الدِّيني واْلحقَ “فَدْوَه” سريعة لفقيد الوطن، في شكل “مَيْتَة” من تَقوُّلات العفن العُنصري، غير نقية النِّسبة، بائسة الحسبة، حررها من قيد “الذاكرة” في حقِّ ميت قبل أن يعود مشيعوه!،..
أهي قذف سياسي بنيَّة التشهير؟،.. أم شماتة تحررَّت من احتمال التَّكذيب؟،.. أم تسديد هدف خارج الوقت الأخلاقي للمباراة، لا أتمنى كل ذلك، حتى لا يزداد جميل غربة عن نفسه، أو يظنّ مُتحامل أنه يَعْبر من ضفَّة قصص الواقع إلى ضفَّة قصص التَّوهم (اكلام رترت السياسي).
أخاف على بعضنا من السقوط وهو يُمارس لعبة التَّفلُّق، فَيُعرِّض نفسه لخطر الإصابات الأخلاقية الحادَّة،.. تَناوُل الموتى بما لا يليق ليس من أسلحة التخاصُم الصقيلة، اللهم إلا إذا كانت رُتبة جهادية جديدة في باب الهدي اللفظي؟.. فقد تواترت ممارستها أخيرا من حملة فكر بعينه،.. ولا يخفى على الأستاذ جميل أنَّ التَّقول لم يكن يومًا حجة عقلانية، خاصة إذا وُظِّف أحاديًّا بعد أن صار الخصم إلى وضع يمنعه حقَّ الرد.
سيدي جميل، تجشمتَ عناء ازعاج عاطفي لا يليق منك بخصمك الحميم.
خسارة محمد يحظيه تركتْ فجوة لا يمكن ردمها بأكوام من كلمات العزاء والرّثاء.
أتقدم بخالص العزاء لأسرته أسرتي، لأهله أهلي، لأحبابه… وللوطن.
كنتُ أتمنَّى أن يُلفَّ جثمانه بالعلم الوطني، على غرار رفيق الصَّبر الطويل، المغفور له بإذن الله المصطفى بدر الدين.
اللهم ارحم عبدك محمد يحظيه فقد شهدَ لك بالوحدانية.
محمد المصطفى ولد الإمام الشافعي:
تلقيت ببالغ الألم والحسرة نبأ وفاة مفكرنا وكاتبنا وسياسينا العظيم الأستاذ محمد يحظيه ولد ابريد الليل رحمه الله.
لقد كنت معجبا بالمسيرة الفكرية والنضالية للزعيم محمد يحظيه، الذي عاش عاضّاً على قناعاته ومبادئه بالنواجذ، لا تأخذه فيها لومة لائم، ولا تزجره عنها مقالة عاذل، فلم تزده السجون إلا صلابة ولا القمع الفكري إلا قوة عزيمة، كما لم تغرّه المناصب ولا اطّبته الوظائف ولا كان ممن جنحوا للغلول والانتفاع، وإنما اشتهر بعفافه ونزاهته وغضه الطرف عن المال العام.
لقد فقدت موريتانيا بفقدانه للأستاذ محمد يحظيه، فكرا ثاقباً، وروحاً نضالية وثّابة، وقلما سيّالاً، وسياسياً محنكاً، وفهماً استشرافياً، ووعياً عميقاً بدقائق الواقع السياسي وجلائله.
إنني أعزي كل موريتانيا في هذا الخطب الجلل والمصاب العظيم، وأخص أسرته وأفراد عائلته، وإخوانه في الفكر والرأي، وكل سياسيي البلاد ومثقفيها، وعسى الله أن يتغمده بالرحمة والرضوان، ويسكنه أعالي الجنان، ويمنحنا من بعده الصبر والسلوان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
……..يتواصل……