وهذا الارتباط يأتي في أن القرآن الكريم كان له الدور الكبير في توجيه وتطوير وتقويم اللغة العربية فمن أجل ذالك كان لا بد لمن أراد العكوف على دراسة العربية وآدابها من أن يعكف على دراسة القرآن وعلومه، وكلما ابتغى مزيدا من التوسع في العلوم العربية وثقافتها، احتاج إلى مزيد من التوسع في دراساته القرآنية المختلفة. ويلخص البوطي هذه الحاجة وأسبابها في النقاط التالية:
السبب الأول: أن هذا الكتاب العربي المبين، هو أول كتاب ظهر في تاريخ اللغة العربية(39) وإنما نشأت حركات التدوين والتأليف بعد ذالك على ضوئه وسارت بإشرافه، وتأثرت بوحيه وأسلوبه.
ومن أجل ذالك ، كان مظهرا هاما للحياة العقلية والفكرية والأدبية التي عاشها العرب فيما بعد، فكيف يتأتى أن يكون هذا الكتاب مع ذالك بمعزل عن العربية وعلومها وآدابها؟!..
السبب الثاني: أن اللغة العربية إنما استقام أمرها على منهج سليم موحد، بسر هذا الكتاب وتأثيره، وهي إنما ضمن لها البقاء والحفظ بسبب ذالك وحده.
فقد كانت اللغة العربية من قبل عصر القرآن أمشاجا من اللهجات المختلفة المتباعدة، وكان كلما امتد الزمن، ازدادت هذه اللهجات نكرة وبعدا عن بعضها وحسبك أن تعلم أن:
المعينية، والسبئية، والقتبانية، واللحيانية، والثمودية، والصفوية، والحضرمية، كلها كانت أسماء للهجات عربية مختلفة، ولم يكن اختلاف الواحدة منها عن الأخرى محصورا في طريقة النطق بالكلمة، من ترقيق أو تفخيم أو إمالة أو نحو ذالك, بل ازداد التخالف واشتد إلى أن انتهى إلى الاختلاف في تركيب الكلمة ذاتها وفي الحروف المركبة منها، وفي الإبدال والإعلال والبناء والإعراب.
فقضاعة مثلا كانت تقلب الباء جيما إذا كانت باء مشددة أو جاءت بعد العين، وكانت العرب تسمي ذالك: عجعجة قضاعة، ومن ذالك قول شاعرهم:
خالـي عويـف وأبـو علبـــجّ
المطعمــان اللحـم بالعشـــجِّ
وبالغــداة قطــع البرنـــجِّ
يؤكـل باللحـم و الصيصـــجّ .
وحمير كانت تنطق ب “أم” بدلا من “أل” المعرفة في صدر الكلمة، وكانت العرب تسمي ذالك طمطمانية حمير.
ومن ذالك قول أحدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله:أمن أمبر امصيام في أمسفر؟ يريد أن يقول: هل من البر الصيام في السفر؟
وهذيل كانت تقلب الحاء في كثير من الكلمات عينا، فكانوا يقولون أعلَّ الله العلال بدلا من أحل الله الحلال…
وهكذا دواليك……يتواصل….
شاهد أيضاً
لحظة تأمل!!/المرابط ولد محمد لخديم
في الانشغال بمطالب العيش، والاعتمار في غمرة الحياة ينسى الناس أن يفكروا، فيتساءلون: …