تندوجه:عناق التاريخ والأدب ومقاومة الاستعمار. الدكتور محمدو أحظانا./المرابط ولد محمد لخديم

يبدو أن تدوينتي عن “رمضان تندوجه” أثارت اهتمامًا واسعًا، خاصة لما لهذا المكان من دور تاريخي في السياسة والعلم والصلاح.
      ومن أبرز التفاعلات، تدوينة محمدو أحظانا، رئيس منتدى الفائزين بجائزة شنقيط، والتي جاءت تحت عنوان:
“تندوجه وما أدراك ما تندوجه؟!”
https://avaghfikria.info/archives/3185
       واليوم يرسل مقال آخر بعنوان؛ تندوجه:عناق التاريخ والأدب ومقاومة الاستعمار. يسلط الضوء على الأهمية الثقافية والتاريخية لتندوجه، مشيرًا إلى قصائد ومعلومات ظلت مغمورة لعقود.
     هذا النوع من الكتابات يساهم في إحياء الذاكرة الجماعية وتذكير الأجيال الحالية بإرثهم الغني.
     قبل نشر هذا المقال لابد من التنويه بالدور المتميز للشيخ سيديا ولد الشيخ عبد الرحمان ولد الشيخ محمد ولدالشيخ سيد المختار ولد الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيديا. الذي أعاد بناء وتعمير تندوجة بعد مايزيد على 200سنة. مكملا ومواصلا عمل السلف رحمهم الله.
     فقد أخبرني شاهد عيان أن الشيخ رحمه الله لما بدأ اعادة بناء تندوجة الى قرية كان يقول لهم ان هذه القرية ستكون عامرة بالسكان والطلاب بحول الله.!!
     وقد فتح الله عليه في آخر سبع سنين فوظفها في حفر الآبار وكفالة الطلاب وتسديد الديون عن المدينين.ليواصل بعده أبناءه جزاهم الله خيرا.
     قصة الشيخ سيديا وإصراره على إعادة إعمار القرية وتوفير البنية التحتية اللازمة مثل حفر الآبار وكفالة الطلاب، هي قصة ملهمة توضح كيف يمكن للفرد أن يكون عامل تغيير في مجتمعه.
المرابط ولد محمد لخديم

نص المقال:
أنشد الشيخ محمدو ولد حنبل الأعمري الحسني هذه الرائعة أمام مؤتمر تندوجه، الذي عقده الشيخ سيدي سنة 1856م. شحذا للهمم، ورفعا لتحدي الاستعمار الداهم.
كما أنشد سيدنا ولد الشيخ سيدي رائعته:
رويدك إنني شبهت دارا
على أمثالها تقف المهارى
تأمل صاح هاتيك الروابي
فذاك التل أحسبه أنار..
أنشد الفحلان القصيدتين أمام علماء ومشايخ وأمراء الأرض. ومنهم:
محمد الحبيب ولد أعمر ولد المختار ولد الشرقي؛ أمير الترازه؛ ومحمد ولد سيدي ولد أحمدو أمير البراكنه؛ و أحمد ولد عيده، أمير آدرار؛ واعلي ولد أحمد أمير أولاد اللب، ومثل بكار ولد اسويد أحمد أمير تكانت ابنه الأكبر محمد.
وانبثقت شعلة مقاومة الاستعمار من هذا المؤتمر، في محطتها الثانية والثالثة.
وقد حضر هذا الاجتماع لفيف من أجلاء العلماء والأدباء، وأنشدت فيه هذه القصيدة مع قصيدة الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيدي. وهما في نفس الروي، والموضوع، والمناسبة.
أنشر هذه القصيدة هنا لكمالها الأدبي، وغنائتها المنسابة، وجزالتها اللغوية، وطلاوتها الشعرية، وعاطفتها المتدفقة، وحماستها الجارفة، وطرافتها التاريخية.. لتعميم الفائدة، ولأن أحد رواد الصفحة سألني عن مطلعها، ربما ليبحث عنها وهي ليست متاحة، فوفرت عليه الجهد؛ القصيدة لم تنتشر على نطاق واسع بعد. (بحر الخفيف):

حي بالبدء(1) فالمليح(2) ديارا
اصبحت من انيسهن قفارا
ومغاني الرِّقاق(3) حيث أظلت
أسطر الأثل* بينها الأنهار
ومغان على الربى(4) ومغان
بالدويمات(5) قد عفت أعصارا
ومغان بذي الأراقم(6) جرت
كل صيفية بهن الإزار
ابت العين بعدها غير سهد
ودموع الجفون إلا انهمارا
وأبى القلب حيثما كنت إلا
هيمانا بعهدها وادكارا
طال ليلي بغيرها ونهاري
ولو أني بها لكن قصارا
فلئن صار سكنها حيث صار
وغدت عنوة بأيدي النصارى
لبما احتلها حواضر منا
قلدوا الأمر جِلة(7) أخيارا
سمكوا الدين: دين أحمد سمكا
حمد الدين ليله والنهار
فهم بين سادة حملوها
عند إلمامها الأمور الكبار
وكهول إذا الخطوب ادلهمت(8)
طلعوا تحت ليلها فاستنار
وشيوخ إذا الظلام كساهم
قطعوا الليل عبرة واعتبارا
وغوان على الرمال تثنى
وشباب تناشدوا الأشعار
لا تغرنّك الليالي بصفو
وانتظر عند صفوها الاكدار
كل دهر يبدي لكل قبيل
بعد الاقبال صفحة وازورارا
أيها الشيخ إن ذا الأمر إمر
قد أذاب الكبود والأسحار(9)
أصبح المسلمون في دار ذل
لا يطيقون بالبلاد قرارا
وعدا الكافرون طرا عليهم
واستباحوا أموالهم والديار
فهم بين خائفين ومُجلى
في هوان وآخرين أسارى
أيها الشيخ لا برحت عمادا
وشعارا لديننا ودثارا
جرد العلم وانصر الدين نصرا
وذويه وجاهد الكفار
وتوكل على إله البرايا
عز عبد يستنصر الجبار
واطلب النصر من لدنه تجده
واستعن فيه الواحد القهار
وانتخب من معاشر الدين زحفا
كدجى الليل جحفلا جرارا
يذر الأكم بالحوافر قاعا
ومتون الحزون(10) نقعا مُثارا
ويكاد الحديد في حافتيه مطلع الشرق يخطف الأبصار
فيه خوص من الجديل نواج
وعناجيج كالصقور تبارى
عاديات بكل أروع يغشى
من لظى الحرب أجّة واستعارا
وإذا شمرت عن الساق يوما(11)
فلّ منها النيوب والأظفار
كل ألف منهم عليه لواء
خافق الظل حيثما سار سار
بيدي وارد حياض المنايا
مظهرا بالشهادة استبشارا
يُلبِس الأمن كلَّ ثغر مخوف
وقرى الروم ذلةً وصَغارا
أيها الشيخ قم مقاما حميدا
يورث الدين عزة وفخارا
إنما الناس تابعوك فقدهم
مستبيحا دار العدو جهارا
أيها الشيخ، كان للدين قوم
ما ألوه حماية وانتصارا
قد اصيبوا بما اصبتم أو ادهى
فاستعدوا جَلادة واصطبارا
ثم ذبوا عن دينهم بنفوس
ليس ترضى الدنيا الدنية دارا
كلما رام ضيره ذو عناد
عمموه مصمما بتارا(12)
وتعاطوه هكذا حاملوه
ثابت الركن آمنا ان يضار
وهو اليوم في يديكم فجدوا
ثم جدوا أو تُعذروا إعذارا
ليس هذا يا شيخ أول خطب
خضت في فل حده الأخطار
فاشددن ازر ديننا واسع فيما
أمر الله المصطفى المختار
باكرته من الصلاة غيوث
ما بدا صبح دينه وانار.

انتهت القصيدة.

توضيحات لغوية:
1-البدء: هو البدع. غور واسع غربي قرية بالغربان حاليا، شمالي مقاطعة الركيز، في أرض “آتكور”. حفر فيه حسي قديما سمي البدع. وقد أبدل همزه عينا على أساس قاعدة الحسانية في إبدال الهمز عينا، مثلا: أن: كلتك عن.
2- المليح: لِمّيْلّح. منهل مالح الماء شمال غربي الركيز.
* الأثل: لمليسه بالحسانية.
3- الرقاق: ج: رُق. وهو ما لان واتسع من الأرض. والاسم بالحسانية الركوكه، و يعني في الحسانية ما اشتد واتسع من الأرض. فتحت الحسانية راءه ربما تسهيلا لنطقه. ومنه رك هيبه (شمامة كيهيدي حاليا.)
والرك في الحوض، وهو وتيارت، يشغلان مساحات واسعة في الحوض الشرقي حاليا.
4- الربى: جمع ربوة. عنى بها الشاعر: زيرة الميسر، وزيرة ابن الفاضل، وزيرة ديه. وهي شمال غربي الركيز.
4- الدويمات: جمع مفرده دومة. وقد عرب بها ولد حنبل اتويدمات وهي في امتدادات سهل آفطوط (مفاض الماء، أو فضاض الأرض وهو ما اتسع منها.)
ويطلق الدوم على ما عظم من الشجر بما فيه الجوز الهندي (آزكلم) والحباب (التيدوم)؛ تسمية للشجرة بثمرتها (تيفكران)، الذي عرب شجره أوروبيا ب (الباوباب).
وقد كان الشيخ محمدو ولد حنبل من بين أبرز الشعراء الذين عربوا أسماء كثير من الأماكن والأشجار والحيوانات في منطقته.
6- الأراقم: جمع أرقم: الحيات. وهو تعريب لبْلحنوشه. موضع في آتكور شمال غربي الركيز.
7- جلة: أجلاء.
8- ادلهمت: اشتد ظلامها.
9- الأسحار: ج. سحر: الرئة.
10- الحزون: ج. حَزن: التل.
11- يعني شدة الحرب.
12- ألجموه سيفا قاطعا.

الدكتور محمدو أحظانا رئيس منتدى الفائزين بجائزة شنقيط.

شاهد أيضاً

مع القرآن لفهم الحياة: الحلقة:(12). تساؤلات؟!….اعجاز يتجاوز ادراك البشر؟!!/المرابط ولد محمد لخديم

 الحياة والروح:       الروح هي سر استمرار الحياة في الجسد، وبفقدانها تنتهي الحياة ولا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *