يعتبر الماء عصب الحياة، ويقال عنه إنه أعز موجود وأغلى مفقود، وفي تراثنا العربي عرف ذلك، فلا تكاد تطالع كتابا في علم البلدان إلا ولاحظت فيه أهمية الماء عند العرب، فتقف على مصطلحات مثل: ماء لبني أسد، أو ماء لتيم الرباب، أو ركية ماء لبني فلان حتى صار الماء والحفاظ عليه، منعه أو عطاؤه سلاحا فتاكا، وما أمر تغوير الغدران يوم بدر ببعيد. ومن هنا أردنا أن نذكر أماكن الماء في مدينة شنقيط ، وهي أماكن كان أهلها يقدرونها مثل ما كان أجدادهم يفعلون.
وكانت العادة أن يسكن الحي قرب تلك الأماكن، أو في أخرى يستطيع أن يصل إليها عبر ما يعرف “بالرواية” التي تكون على ظهور الإبل أو الحمير.
وقد عرفت عيون ماء متعددة غير بعيدة من المدينة وأخرى داخلها، غير عيون ماء النخيل المعتادة، ونذكر هنا تلك التي عرفناها وشربنا منها زمانا، نعود إليها مرة تلو الأخرى، وأشهرها:
_ لعكيله، وهي عين ماء، كان أهل شنقيط ينزلون عليها وهم في طريقهم لأماكن الزراعة والحرث، مثل “دكدك”، بها ماء كثير، يتزود منها، كل من مر في تلك الأماكن، حيث يسقى الرعاة قطعان الماشية من إبل وغنم، يصعب الوصول إليها بسبب الكثبان الرملية. تبدلت أحوالها وانتقلت من مصدر لشرب البشر وسقاية الماشية إلى شبه واد صغير من النخيل، وغدت مكانا للراحة والاستجمام، حيث الماء والظل البارد، وبادر أهلها في صنع الأعرشة مما جعلها قبلة للسياح، انتفع منه ملاك النخيل، ولا يزال الحال على ما كان عليه إلى يومنا هذا.
_ الدخله، وهي عين ماء على طريق الذاهب إلى المحرث الشهيرعند أهل شنقيط المعروف ب”دكدك”، فلطالما وصلها الركب وقد نفد ماؤه، فيشرب ويروي الأنعام، ويحمل الزاد، غاديا ورائحا.
_ آرويطين، وهو بئر، قريب من الجبال المشهورة ب”الزركه” يشرب منه كل من يمر في تلك الأماكن، سواء من هو في حل، أو ارتحال، ولا يكاد المار إلى أماكن “الكيطنه” في وادي العوينه أو تيمينيت، والقادم من المدينة أن يتجاوزه دون أن يأخذ ما يحتاجه من الماء، ليشرب وتشرب مراكبه ويحمل ما يحتاجه من الماء حتى يصل مبتغاه في أماكن “الكيطنه”.
_ حسي اجديان، وهو غدير ماء كنا نسكن عنده أو قريب منه، يقع في جنوب المدينة ولا يبتعد عنها كثيرا، ويستطيع الراكب أن يذهب إلى المدينة ويمتار ثم يرجع دون عناء كبير، ومعظم أهل شنقيط كانوا يشربون منه أيام النجعة والانتجاع.
_ الدميجه، وهي مثل احسي اجديان، ويقال “ادميجة وكنجه” كنا نردها ونشرب ماءها العذب، ونروي ماشيتنا، ونسكن في أمن وأمان.
_ عين الحمر، وهي عين ماء عذبة وهي وقف لأهل حبت، لا يكاد الخارج من المدينة والداخل إليها إلا ويحط الرحال، حتى يستريح ويريح الماشية، وكان الأهالي يدخلون المدينة عبرها مع إرخاء الليل سدوله، وتهدأ الحركة فمن عادة أهل شنقيط عدم حبهم لدخول المدينة في وضح النهار. وقرب هذه العين يوجد بعض نخيل الوقف يستطيع المار أن يأخذ منه التمر وحاجة الوقت.
أما في شمال المدينة ففيها بعض الأوقاف مثل عين أحمد بن بلاه بن مكي، وعين أحمد بن السبتي، وشيخم بن السبتي، وهي عيون أعلم بها ولم أرها، أما كل ما سبق فكان أماكن النشأة، وأيام الطفولة، وأيام النجعة والانتجاع.
أما المدينة فأشهر أماكن المياه فيها، هما الحينشيتان، “التلية والقبلية”، فأهل شنقيط كانوا يشربونهما، وتشرب أنعامهم، و”القبلية” أشهر من “التلية”، لعذوبتها وكثرة مائها، ولا تزال حية إلى يومنا هذا.
وكان أهل شنقيط حينما قلت المياه فيهما يركنون إلى مياه عيون النخيل، فيشربون منها، ويتزودون بما يحتاجونه مدة من الزمن، إلى أن جاءت المدنية وحفرت الآبار وأدخلت المياه إلى الدور، ومع ذلك تبقى تلك المياه التراثية معينا لا ينضب تجب المحافظة عليه، فالعالم ينظر إلى ندرة المياه في المستقبل، وعليه فلا إفراط ولا تفريط.