وضرورة إيجاد ثقافة تستجيب لمتطلبات عصرنا أصبحت الآن ملحة أكثر من أي وقت مضى ذالك أننا لم نعد” لفريك” الذي تسعه “أطناب الخيمة” رغم أننا مازلنا نعيشه واقعا. بل أصبحنا من ضمن القرية الكونية العالمية في عالم الأمم والقارات. شئنا أم أبينا..
إن التحولات الكمية, وارتفاع القدرة الشرائية، استبدال الطاقة البشرية وتطور العمل التقني، وتطور أنشطة الوقت الحر, أنتجت تحولا نوعيا بطيئا تمثل في بروز مشاكل متعلقة بالحياة الخاصة، مشاكل حول الحياة الشخصية المستقلة مست بالأساس الطبقة المتوسطة والعمالية، ويتعلق الأمر بتطوير ظاهرة جديدة داخل الحياة الشخصية، إنها فردنة الوجود الإنساني.
إن خاصية الثقافة الجماهيرية تتمثل في كونها ستوفر للفئات الاجتماعية الصاعدة (طبقة متوسطة)، شباب، نساء، صورا إدراكية وقيما ونماذج سلوك جديدة أبطالها:
الشخصيات السينمائية، ونجوم الموضة، ومقولاتها: المغامرة، والحرية الفردية، وغاياتها: الحياة والسعادة، والمتعة…الخ).(7)
وهذه الصور ونماذج السلوك أضحت من مكونات تفكير شبابنا الذي ينشد لدى كتابه ومفكريه مستوى من المبادرة والجد والإخلاص , ولونا من الكتابة المباشرة التي تعيش عصرها و أفكاره وتطلعاته, فإذا هم لا يزيدون على مضغ حكايات الأولياء, واجترار بضعة خيالات محلقة فى سموات التيه, ومجابهة الواقع الصارخ الملح بما يميعه في وعى الجماهير,ثم يسرح بها بعيدا بعيدا , في أحلام الماضي وتصوراته.
فالتائه في هذه الحالة يقبل كل شيء ولايقتنع بشيء ينتظر حلا غيبيا أو خياليا..!!.
فقد سيطرت المادة على كل شيء التجارة على الثقافة رجل الأعمال في مواجهة العالم.
وبما أن الرأسمالية المتوحشة هي السائدة اليوم فإنها هي التي تصوغ عقولنا ولم تعد ثوابتنا وقيمنا التي توارثناها قادرة على مجاراتها..
في بحث له حول هذا الموضوع يحاول الكاتب الطيب بوعزة أن يبني دلالة الإنسان في النسق الحضاري الغربي مع استحضار أصوله الفلسفية القديمة ومقارنته بالنسق الحضاري الإسلامي وفي سياق المقارنة بين النسقين الحضاريين الغربي والإسلامي يتناول الكاتب بالتحليل والمقارنة نموذجين سرديين هامين هما قصتا (روبنسون كروزو) لدانيال ديفوا و حي ابن يقظان (لابن الطفيل).
مستنتجا التمايز بين العقلين الغربي والشرقي، عقل يغوص في المادة ويغرق فيها فينسى ذاته وينسى سؤاله الكينونة، وعقل يتشوق إلى ما وراء وينزع نحو تأمله.
لقد قام العقل الغربي الحداثي بقلب دلالي لمعنى ماهية الإنسان من الماهية العاقلة إلى الماهية المالكة، بالمدلول الاقتصادي المادي للتملك.
إذ تعد مقولة الإنسان كائن اقتصادي (Homo Economicus) مرتكزا نظريا أساسيا للنمط الثقافي الحداثي بدءا من لحظة استوائه في نمط الاجتماع الرأسمالي.
فهذه المقولة ليست مجرد محدد نظري لمفهوم الإنسان من حيث بعده الاقتصادي المادي، ولا هي مجرد مبدأ لتأسيس النظرية الاقتصادية الرأسمالية، بل إن تلك المقولة هي نقطة الانطلاق لبناء رؤية فلسفية عامة تتعلق بنوع النظرة إلى ماهية الكينونة الإنسانية ككل، وهي تعبير عن قلب دلالي جذري للمقولة القديمة المحددة للإنسان بوصفه كائنا عاقلا تتحدد ماهيته في التفكير (Homo Sapiens).
كما أنها في أبعادها الغائية……يتواصل.…