تائه يبحث: مدخل علمي الى الايمان (الحلقة:(16).

    إن هناك حاجة لنشوء نظرية لغوية عامة لا تنفصل فيها الصورة عن المادة تكون قاعدة لهذه الفلسفات، فهل يمكننا القول أننا قد اقتربنا فعلا من هذه النظرية ؟!!
    إذا رجعنا إلى المقاربة السالفة الذكر(26) للحضارة ووصفها كنسق كلي جامع يحدد عقليتها ونمط رؤيتها للوجود وأخذنا المقارنة التي أنجزها مالك بن نبي في سياق المقاربة بين قصتي روبنسون كروزو وحي ابن يقظان واستنتاجه للتمايز بين العقلين الغربي والشرقي، حيث ينتهي إلى تقرير اختلاف جوهري في الرؤية إلى الكائن الإنساني ووظيفته في الوجود، إذ تنزع الرؤية الفلسفية للحضارة الإسلامية نحو نظرة كلية كيفية، وتنزع الرؤية الغربية نحو نظرة تحليلية كمية.
    وكون هذه الرؤية الكمية لاتبدو فقط في هذا النتاج السردي الروائي ولا في النمط الثقافي الحضاري الغربي الراهن، بل حتى في الخلفية الثقافية الهلينية ووقوف مدرسة فرانكفورت مليا عند أسطورة أو ديسيوس في ملحمة الأوديسة كاشفة عن مركزية هذه الرؤية المادية التي سيصطلح عليها هوركايم وأدرولو بالأدائية.
    وتمظهرها في علم الفيزياء مع جاليليو في رؤيته التحليلية الرياضية للكون. وفلسفيا مع ديكارت في تمييزه بين الفكر والامتداد، وتأسيسه للعقل بوصفه قوة للسيطرة على الطبيعة واستغلالها. ومجتمعيا في النمط الليبرالي، كنمط يقتصد تأسيس واقع يعامل الذات الإنسانية بوصفها جسدا.
    وحرص المنظرين للفكرة الرأسمالية في الخطاب ألحدائي الرأسمالي على اختزال الدوافع والأشواق والغايات الإنسانية ـ حتى تلك التي تخرج عن نطاق العلاقة الاقتصادية ـ إلى رغبات وأشواق جسدية لتؤول إلى محض رغبة اقتصادية !.
     وما يراه السيسيولوجى الألماني ماكس فيبر في كتابه الشهير «الأخلاق لبروتستانتية» حيث يؤول شخصية روبنسون كروزو رائيا فيها تجسيدا لنموذج «الإنسان الاقتصادي» ومحدد لنمط الحضارة الرأسمالية.
     نجد مما سبق أن هذا النموذج ليس ملمحا من ملامح النمط المجتمعي الصناعي فقط، بل هو محدد من محددات نمط التفكير الغربي ككل.
   لكن الإنسان بفطرته ـ ليس مجرد كائن يعيش وجوده بل هو فوق ذلك كائن ينزع نحو فهم الوجود بل حتى على مستوى وجوده الفردي يحرص على أن يجعل له معنى ودلالة ولا يكتفي بمجرد عيشه كما أسلفنا…
     وهو ما يؤدي إلى أن إنتاج معنى للوجود حاجة محايثة لكينونة الإنسان ولا يمكن تجاهلها. وهذا ما أدركه بعض ناقدي العقلانية الغربية واستفسروا الحاجة إلى اعتباره عند تحليلهم للوضعية الإنسانية كما تقدم.
   وبانتشار العقل المادي وهيمنته على العالم يسأل هذا التائه: هل قبل وجودنا من شيء؟ ووجود آبائنا وأمهاتنا ومن قبلهما إلي أعلى جد يوجد شيء أم لا؟ ويتساءل هل هذه الحياة التي فيه وفي غيره من بني الإنسان متساوية أم مختلفة؟ ولماذا تختلف عاداته وتقاليده وثقافته مع الآخرين؟
    ثم يتساءل: ماهي المسلمات الدينية والعقدية والعلمية التي يجب احترامها والخروج عليها يعتبر زيقا عقليا؟
    وقبل أن يتوصل إلى حل لتساؤلاته تلك تفاجئه وسائل الإعلام بما تملكه من وسائط الصوت والصورة والحركة وتقدم له حلولا ونماذج فوضوية وأجنبية..!!
…يتواصل…

شاهد أيضاً

مفردة “جاس” في النشيد الوطني بقلم/ إسلم بن السبتي.

          كنت في إطلالة سابقة على مفردات النشيد الوطني قد كتبت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *