والقائلون بالتفكير المادي يستدلون على ذلك بأنه قد يحصل أن يعطي شخص آلة معقدة وليست لديه معلومات سابقة عنها ويطلب منه حلها وتركيبها فيأخذها الشخص ويحاول إجراء تجارب متعددة عليها فيصل من هذه التجارب إلى حلها ثم إلى تركيبها.
فهو وصل إلى فكر دون حاجة إلى معلومات سابقة والجواب على ذلك هو:
أن هذا الشخص لديه معلومات متعددة. فأخذ بتجاربه المتعددة يربط المعلومات التي لديه بالواقع الذي بين يديه وبالمعلومات مع بعضها حتى توصل إلى إيجاد معلومات يفسر بواسطتها حل الآلة وتركيبها، وبهذه المعلومات التي توصل إليها توصل إلى الفكر. فهذا لا يؤتي به مثالا. وإنما المثال الذي يؤتي به هو الطفل الذي لا توجد لديه معلومات إطلاقا، أو الرجل الذي ليس لديه معلومات يمكن أن يستعين بها على إيجاد معلومات يفسر بها الواقع، كأن تأتي بأعرابي وتدخله مخبرا وتتركه يجرب، فهذا ليس لديه معلومات ولذلك لا يصل إلى فكر…
وعليه فالدماغ ليس محل الفكر، والحاصل أن الحواس تنقل صورة عن الواقع المادي إلى الدماغ، وهذه الصورة تنبع الحاسة التي نقلت الواقع، فإن كانت بصرا نقلت صورة الجسم، وإن كانت سمعا نقلت صورة صوته، وإن كانت شما نقلت صورة رائحته، وهكذا فيرتسم الواقع كما نقل في الدماغ، أي حسب الصورة التي نقلت، وبذلك يتم الإحساس بالواقع فقط، ولا ينشأ عن ذلك التفكير بل تميز غريزي فقط، من حيث كونه يشبع أو لا يشبع، يؤلم أو لا يؤلم، يفرح أو لا يفرح، يلذ، أولا يلذ ولا يحصل أكثر من ذلك، فإن كانت هناك معلومات سابقة ربطتها قوة الربط الدماغية بالواقع المحسوس الذي ارتسم في الدماغ، وعندئذ تتم العملية الفكرية، وينتج إدراك الشيء، ومعرفة ما هو، وإلا بقي عند حد الإحساس أو عند حد التميز الغريزي فقط.. إذن لابد من وجود الواقع المحسوس، والمعلومات السابقة، كما لابد من وجود الدماغ والحواس(14).
التفكير السليم:
وعليه فالفكر أو الإدراك أو العقل هو نقل الواقع عن طريق الحواس إلى الدماغ، مقترنا بمعلومات سابقة تعين على تفسير هذا الواقع.
وبهذا يكون علماء الشيوعية قد أخطئوا لأنهم لم يفرقوا بين الإحساس والانعكاس، وان عمليه التفكير لم تأت من انعكاس الواقع محل الدماغ، ولا من انطباع الواقع على الدماغ، وإنما جاءت من الإحساس، والإحساس مركزه الدماغ، ولولا الحس بالواقع لما حصل أي فكر ولما وجد أي تفكير بدليل أنه لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ فلا المادة تنعكس على الدماغ ولا الدماغ ينعكس على المادة لأن الانعكاس يحتاج إلى وجود قابلية الانعكاس في الشيء الذي يعكس الأشياء كالمرآة، وكآلة التصوير، فإنها تحتاج إلى قابلية الانعكاس عليها، وهذا غير موجود لا في الدماغ، ولا في الواقع المادي، فالمادة لا تنعكس على الدماغ ولا تنتقل إليه بل الذي ينتقل هو الإحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس، ولا فرق في ذلك بين العين وغيرها من الحواس، فيحصل من السمع واللمس والذوق والشم. فالإنسان إذا يحس بالأشياء بواسطة حواسه الخمس، ولا تعكس على دماغه الأشياء وبهذا يكون علماء الشيوعية وهم وحدهم الذين حاولوا معرفة واقع العقل قد أخطئوا حيث أنهم لم يفرقوا بين الإحساس والانعكاس والخطأ لم يكن ناجما عن عدم التفريق بين الإحساس والانعكاس فقط، وإلا لكانوا اهتدوا إلى أن المسألة هي إحساس وليست انعكاسا، بل أساس الخطأ، وأساس الانحراف ناتج عن إنكارهم أن لهذا لوجود خالقا فلم يدركوا أن وجود معلومات سابقة عن هذا الواقع شرط ضروري لوجود الفكر أي شرط ضروري لوجود العقل(15).
ولعل ما ذهب إليه عالم الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية الدكتور(لتراوسكارلندرج) وغيره يكشف جانبا من هذه الأخطاء العقدية حيث يقول:
«أما المنشغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعة كبرى يحصلون عليها، كلما وصلوا إلى كشف جديد في ميدان من الميادين، إذ أن كل كشف جديد يدعم إيمانهم بالله، ويزيد من إدراكهم وإبصارهم لأيادي الله في هذا الكون»
ويرجع (لتراوسكارلندرج) إعراض بعض العلماء….يتواصل…
شاهد أيضاً
دين الفطرة في منهج الفطرة؛ ماذا قيل فيه؟!(الجزء الأخير) المرابط ولد محمد لخديم
يقول الأستاذ الدكتور: محمد سيديا ولد خباز المدير العام للمدرسة العليا للتعليم رئيس جامعة أنواكشوط …